دليل ذلك قول الله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) } ومنه التخييل، فالسحر قسم منه خيال، وقسم منه له حقيقة، دليل قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) } ولولا أن للسحر حقيقة لما أمر الله بالاستعاذة منه، ودليل الخيال قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}
وذهب بعض العلماء إلى أن السحر مجرد تخييل، وأنه لا تأثير له ولا حقيقة، وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة، وإليه ذهب الجصاص في كتاب الإحكام في كتاب الأحكام، وهو مذهب المعتزلة والرافضة.
دليلهم: قول الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) } وقوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) }
والصواب القول الأول بأن هذه الآيات تدل على أن منه خيال، ومنه ما هو له تأثير.
والصحيح أن السحر له تأثير في عين الرائي والمسحور، وهو خيال بحيث إنه لم يغير الحقائق، ففيه تأثير من جانب وتخييل من جانب، فله تأثير في المسحور بمرضه أو موته، وله خيال في عين الرأي والمسحور.
فإذا الصواب أن السحر له حقيقة، وله خيال. أما القول بأنه خيال فقط، فهذا ليس بصحيح.
والنشرة: هي حل السحر عن المسحور، وحكمها: تنقسم إلى قسمين: قسم حرام، وقسم مباح، فالنشرة حل السحر، وهي نوعان.
أولا: حل السحر بسحر مثله، فهذا لا يجوز، وهو من عمل الشيطان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يحل السحر إلا ساحر) وقوله: (النشرة من عمل الشيطان)
ثانيا: حل السحر بأدوية ودعوات مباحة، فهذا جائز.
أنواع المشعوذين الذين يفعلون هذه الأفعال الخارجة عن الكتاب والسنة ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أهل تلبيس وكذب وخداع، ذلك وهم يعلمون ذلك، الذين يظهر أحدهم طاعة الجن له، أو يدعي الحال بأهل المحال من المشائخ النصابين الخداعين والفقراء الكاذبين والطرقية المكارية، هؤلاء يدعون السحر، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ما وجد مهنة فتح محل، وقال: إنه يعالج الناس، وكل من أتاه يأتي له بأنواع من ... هذا تدهن به، وهذا تشربه، وهذا استنشقه، وهذا كذا. ويأكل أموال الناس بالباطل.
حكمهم والحد الواجب عليهم: هؤلاء دجاجلة وملبسون وخداعون يستحقون العقوبة البليغة التي تردعهم وأمثالهم عن الكذب والتلبيس، وقد يكون في هؤلاء من يستحق القتل كمن يدعي النبوة بمثل هذه الخزعبلات، أو يطلب تغيير شيء من الشريعة ونحو ذلك.
النوع الثاني: من يتكلم في هذه الأمور ويعمل الشعوذة من تحضير الجن وغيرها على سبيل الجد والحقيقة، ويعتقدون لها التأثير، حكمهم والحد الواجب عليهم- هؤلاء سحرة، وسبق بيان حكم الساحر، وأن حده القتل، وأن جمهور العلماء يوجبون قتل الساحر على خلاف بينهم، وهل القتل كفرا أو حدا؟ .
والصواب الذي عليه المحققون أنه كفر، وهو الراجح، وبعض العلماء يرى أنه يعاقب أقل من القتل، إلا إن قتل بسحره، أو تضمن سحره كفرا قولا أو فعلا، عوقب بالقتل.
النوع الثالث: من يتكلم بالأحوال الشيطانية، ويدعي الخشوع ومخاطبة رجال الغيب، يدعي مخاطبة القطب المتولي للكون، وأن له الخوارق تقتضي أنهم أولياء الله، ومن هؤلاء من يساعد المشركين، ويعين المشركين على المسلمين في أيام حرب التتار، ويقول: إن الرسول أمره بقتال المسلمين مع المشركين؛ لكون المسلمين قد عصوا.
حكم هؤلاء: هؤلاء في الحقيقة من إخوان الشياطين، والواجب أن يعاقبوا بالعقوبة البليغة التي تردعهم عن فعلهم، وقد يجب قتلهم إذا ثبت أنهم يخاطبون الجن ويستخدمونهم ويعظمونهم بالشركيات، وحينئذ فهم كفار، يقتلون كفرا، موقف المسلم من أصحاب الأحوال، وهل تسلم لهم أحوالهم؟ .
يقول بعض الناس: إن الصوفية تسلم لهم أحوالهم، يعني: أحوالهم النفسية بأن يظن أنه على الدين والاستقامة، وإن كان بخلافه يقول: اتركه على حاله، هذا كلام باطل، بل الواجب عرض أفعالهم وأحوالهم على الشريعة المحمدية، فما وافقها قبل، وما خالفها رد، وأدب صاحبه.
الدليل: ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)
فلا طريق إلا طريقة الرسول، ولا حقيقة إلا حقيقته، ولا شريعة إلا شريعته، ولا عقيدة إلا عقيدته، ولا يصل أحد من الخلق بعده إلى الله وإلى رضوانه جنته وكرامته إلا بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، بعض الصوفية يعتقدون في البله أنهم من أولياء الله. حكم من اعتقد في البله أنهم من الأولياء.