والواقع أنهم مجانين، ومن علامة هؤلاء أنه إذا حصل في جنونهم نوع من الصحو تكلموا بما كان في قلوبهم من الإيمان، ويهتدون بذلك في حال زوال عقلهم بخلاف من كان قبل جنونه كافرا أو فاسقا، لم يكن حدوث جنونه مزيلا لما ثبت من كفره أو فسقه، وكذلك من جن من المؤمنين المتقين يكون محشورا مع المؤمنين المتقين، وما يحصل لبعضهم -لبعض الصوفية- عند سماع الأنغام المطربة من الهذيان والتكلم ببعض اللغات المخالفة للسان المعروف عنه، فذلك شيطان يتكلم على لسانه، كما يتكلم على لسان المصروع، أو هو دجال يكذب على الناس، وذلك كله من الأحوال الشيطانية، بعض الصوفية يظن أن زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله، بعض الصوفية يقول: زوال العقل سبب أو شرط يقرب إلى ولاية الله من يظن هذا الظن، فهو من أهل الضلال حتى قال قائلهم يعني: يخاطب المجانين يعني: المجانين:
هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ *** ـسياج فلا فرض لديهم ولا نفل
يعني: المجانين هم معشر حلوا النظام، وخرقوا السياج، فلا فرض لديهم ولا نفل، مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز على أبوابه يسجد العقل، هذا كلام هذا الكلام كلام ضال، بل كافر يظن أن في الجنون سرا، يسجد العقل على أبوابه، يقول: يعني: العقل ما يصل إلا إلى باب المجانين، لما رآه من بعض المجانين من نوع المكاشفة، أو تصرف عجيب خارق للعادة، ويكون سبب ذلك ما اقترن به من الشياطين، كما يكون للسحرة والكهان، فيظن هذا الضال أن كل من خبل أو خرق العادة كان وليا لله.
حكم من اعتقد هذا فهو كافر، فقد قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (٢٢٣) } فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور وزوال العقل بجنون أو غيره سواء سمي صاحبه مولها أو ولها، لا يوجب مزيد حال، بل حال صاحبه المجنون ما عنده زيادة، انقطع العمل، وقف العمل، بل حال صاحبه من الإيمان والتقوى يبقى على ما كان عليه من خير أو شر، لعله يزيده أو ينقصه، ولكن جنونه يحرمه من الزيادة من الخير، كما أنه يمنع عقوبته عن الشر، ولا يمحو عنه ما كان قبله، ولكن جنونه من المصائب التي تكفر بها الخطايا.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ في طائفة يسمون أنفسهم الخلوتية، وهو الذي يجلس في خلوة صغيرة في غرفة صغيرة، يتعبدون بها على قدر ما يسع الإنسان، ويجلس فيها مدة طويلة، ثم بعد ذلك يخرج هزيلا ضعيفا، وبعضهم يستدلون بعبادة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، ولا يتم لهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث قبل ذلك، كان يتعبد بغار حراء قبل البعثة.
حكم الذين يتعبدون بالرياضات والخلوات، ويتركون الجمع والجماعات؟ هؤلاء جماعة من الصوفية يسمون خلوتية، وهم هؤلاء ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، قد طبع الله على قلوبهم.
والدليل ما ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه) هناك طائفة من الصوفية يجوزون الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني ويستدلون بقصة الخضر مع موسى، بعضهم يقول: أنا أستغني عن الوحي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة؛ لأني يأتيني علم لدني من الله بذهاب يأتيني وحي ملهم يأتيني، وحي بإلهام يعرفني الله مباشرة، وما أحتاج إلى محمد، ولا أحتاج إلى شريعة محمد.
ما حكم هذا؟ حكم من يجوز يقول: أنا عندي دليل، الدليل الخضر ما تبع موسى الخضر يأتيه علم من الله، ولا يتبع موسى، وخالف موسى فدل على الذي يأتيه علم وتعريف، يعرفه الله لا يحتاج إلى محمد، كما أن الخضر ما احتاج إلى موسى، فالخضر خرج عن شريعة الله ولا عمل بشريعة موسى اكتفاء بالعلم اللدني، وهو يزعم أنه لا يحتاج إلى شريعة محمد، ويكتفي بالعلم اللدني، فما حكم من يجوز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني، ويستدل بقصة موسى مع الخضر.
العلم اللدني هو الذي يحصل للعبد من غير واسطة، بل بإلهام من الله وتعريف منه لعبده، كما حصل للخضر -عليه الصلاة والسلام- بغير واسطة موسى.
حكم من جوز ذلك: ملحد زنديق، ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، يقول: هذا ولي هذا ليس من أولياء الله، بل هو ملحد زنديق مفارق لدين الإسلام بالكلية، فضلا عن أن يكون من أولياء الله، بل هو من أولياء الشيطان، فعليه أن يجدد إسلامه، ويتشهد شهادة الحق، وإن مات على ذلك، فهو من الملاحدة الزنادقة الذين في الدرك الأسفل من النار، نعوذ بالله.