للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أشركه خاله معه في التجارة وانتقلا معا إلى ميناء أبي شهب وهو إذ ذاك في السابعة عشرة من عمره وما لبث أن اظهر براعة في التجارة فاستقل عن خاله وكسب شهرة تجارية وكان إلى جانب اشتغاله بالتجارة ينفق وقتا طويلا في دراسة العلوم الدينية والرياضيات، ثم اشتغل بالروحانيات وأخذ يعمل على إذلال نفسه فكان يسهر الليل وفي النهار يقف تحت أشعة الشمس المحرقة فاعتراه بسبب ذلك وجوم وذهول وتأثرت قواه العقلية من الخلوة وما فيها من العزلة، ومن فرط السهر وإدمان الوقوف في مواجهة قرص الشمس وتحمل حرارتها التي تبلغ في مدينة أبي شهب اثنين وأربعين درجة، ولاحظ عليه خاله شذوذا في تفكيره وداخله الشك فيما يصدر منه من أقواله وأفعاله فنصحه مرة بعد أخرى إشفاقا عليه من أن تتطور الحال إلى نتيجة لا تحمد عقباها.

أشار عليه الأطباء بالسفر إلى كربلاء والنجف به حيث الهواء النقي وعسى أن ينقطع عن التفكير فيما كان بصدده فرحل وعمره عشرين سنة كانت الأفكار الباطنية منتشرة بين فريق النازلين بتلك المدينة فأخذ بعد وصوله يدرس آراء بعض علمائها ومن أشهرهم أحمد الإحسائي وتلميذه كاظم الرشدي وظل يتردد على دروس كاظم الرشدي مؤسس المنطقة الكشفية انقطع فجأة وتغيب ردحا من الزمن بعد أن اتفق مع بعض أصحابه على السفر إلى الكوفة والإقامة في مسجد الإمام علي منقطعين للرياضة مدة أربعين يوما.

بعد انقضاء المدة غادر المسجد وهو في حالة غير طبيعية وعاد لمجلس الرشدي وهو شارد الذهن وفي حالة ذهول وأخذ يتكلم بألفاظ عدها تلامذة الرشدي خارجة عن منهج الشريعة ومخالفة لقواعد السنة النبوية فلاطفوه وجاملوه أولا وجفوه وهجروه ثانيا فإذا به يدعو الناس إلى نفسه ويوصي بالزهد والتقشف مع ما أمال إليه كثيرا من بسطاء القول وضعفاء الأحلام كان يخاطب المقربين إليه بأقوال غامضة مثل فادخلوا البيوت من أبوابها، ومثل أنا مدينة العلم وعلي بابها يعني أن الطريق إلى الله مسدود إلا عن طريق الرسالة والنبوة والولاية إلا بواسطة إلا بواسطة، وأنا تلك الواسطة.

وكما أنه لا يجوز دخول البيت إلا من الباب فأنا ذلك الباب فعندئذ سمى نفسه الباب وما كان بعد ذلك يشير لنفسه ألا بلقب الباب وترك اسمه الأصلي وهذا هو سر تسميته بالباب وأتباعه بالبابية، بدء دعوته، بدأ دعوته عام ألف ومائتين وستين جهر الباب بدعوته في ليلة الخامس من جمادى الأولى عام ألف ومائتين وستين أول المؤمنين به كان أول المؤمنين به هو الملا حسين المشهوري الذي لبى دعوته في الليلة الخامسة من جمادى الأولى واعتبروا هذا العام عيدا سموه عيد المبعث إذ أظهر فيه الباب دعوته ورفع به الصوت جهارا وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام.

وما زال البابيون يحترمون ذلك اليوم ويقدسونه ويحرمون فيه تعاطي الأشغال.

حروف حي: استطاع الباب علي أن يجمع حوله ثمانية عشر شخصا سماهم حروف حي فحرف الحاء يعادل رقم ثمانية في الحروف الأبجدية والياء يساوي عشرة ومجموع الحرفين ثمانية عشرة، ثم ألقى على هؤلاء مبادئه وتعاليم دعوته والمشهوري أول من آمن بالباب نسبة إلى مدينة مشهورية من أعمال خراسان التفت إليه الباب وقال يا من هو أول من أمن بي حقا إنني أنا باب الله وأنت باب الباب ولا بد أن يؤمن بي ثمانية عشر نفسا بكامل رغبتهم دون ضغط، أو إكراه ويعترفون برسالتي وسينشدني كل منهم على انفراد.

ولما لم تكن هذه الحركة تناسب والمركز الديني لعلماء إيران إذ إن تعاليم الباب مخالفة لأصول الدين عندهم قامت قيامة العلماء علماء إيران في وجه هذه الدعوة فنشرت الرسائل وألفت الكتب وألقيت الخطب ونتج عن هذه المقاومة أن مال إليه الجهلة من العوام فلما رأى الباب ذلك أعلن أنه المهدي المنتظر بعد أن كان دعوته أنه واسطة، أو باب للوصول إلى الإمام المنتظر.

وقال: إن جسم المهدي اللطيف قد حل في جسمه المادي، وأنه يظهر الآن ليملأ الأرض قسطا وعدلا وهذا ما دعا الباب أن يظهر بمظهر أرقى من الدعوة السابقة، فيدعي أنه أفضل من محمد صاحب الدعوة الإسلامية الأمة صلى الله عليه وسلم وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من تعاليم نبي المسلمين في قرآنه، وأن محمدا إذا كان قد تحدى الناس في الإتيان بسورة من سور الفرقان المبين فإن الباب يتحدى الجميع بالإتيان بباب من أبواب الأرض.

مقتله: دعي الباب لمناظرة علماء إيران وانتهت المناظرة بغير نتيجة، ثم ازدادت الاضطربات في جميع أنحاء إيران وانتشرت الفتنة وساعدت الدسائس الأجنبية على امتدادها فقرر الشاه ناصر الدين ضرورة القضاء على هذه الفتن فأصدر أمره بإعدام الباب ونفذ فيه حكم الإعدام في سنة ألف ومائتين وخمس وستين هجرية، وقد تبرأ منه كاتب وحيه حسين التبريزي وهال على الباب بالشتائم والسباب وأطلق سراحه وأتى الحراس بوتدين من الحديد ودقوهما في جدارين متقابلين وربطوا فيهما الباب وصاحبه محمد على الذنروزي وأطلقوا عليهما الرصاص.

<<  <   >  >>