والجواب عن هذه الشبهة أن نقول: إننا إذا قلنا: إن الله يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم زالت هذه الشبهة نقول: إن الله يتكلم ليس ككلام المخلوق يتكلم، ولا نعلم كيف يتكلم الله ليس له مثيل لا في ذاته، ولا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله هو يتكلم، ولا نعرف كيف يتكلم قالوا: لو قلنا: إن الله يتكلم لزم من ذلك صوت يخرج من الرئة يكون أضراس يلزم من الكلام أضراس وأسنان ولسان ولثة وشفتان، والله منزه عن ذلك فلا نقول: إن الله يتكلم حتى لا يشابه المخلوقين الذين يتكلمون بألسنتهم ويخرج الكلام من الرئة.
وكذلك أيضًا من الشفتين ومن الأضراس والحروف منها ما يخرج من الأضراس الخ ففرارًا من ذلك قالوا: لا يتكلم نقول: إن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، ونحن نرى بعض المخلوقات تتكلم، ولا نرى كيف تتكلم فهذه الجلود تنطق يوم القيامة والأرجل والأيدي تشهد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ نختمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) } وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} هل الجلود والأيدي والأرجل لها لسان ولها شفتان ولها أضراس؟ قال تتكلم بلا بدون شيء بدون أضراس وأسنان ولا شفة ولا رئة كيف تتكلم؟ كيف تتكلم الجلود كيف تتكلم الأرجل؟ ما نعلم.
كذلك ثبت تسبيح الحصا والطعام بين يدي النبي-صلى الله عليه وسلم- يسبح الحصا والطعام كيف يتكلم الحصا والطعام هل لها أضراس وأسنان، وقال: (إني أعرف الحجر يسلم علي بمكة -عليه الصلاة والسلام) -كذلك الجذع حنَّ وصاح وبكى مثل بكاء الصبي وجعل يهدئه فجعل يهدأ شيئًا فشيئًا كما يهدأ الصبي، الجذع له لسان؟ .
إذا كانت بعض المخلوقات تتكلم، ولا نعلم كيف تتكلم فمن باب أولى أن الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم، وعلى هذا تبطل هذه الشبهة من شبههم يقولون إن الله خلق الكلام في محل لا في محل عند بعضهم وفي محل آخر عند بعضهم مخلوق أضيف إلى الله نقول لهم: الذين يقولون: إن الكلام خلق لا في محل كيف يكون الكلام مخلوقًا لا في محل الكلام معنى من المعاني لا بد أن يقوم بغيره محال أن يكون الكلام مخلوقًا لا في محل.
ونقول للطائفة الثانية الذين يقولون: إنه خلق في محل لكنه أضيف إلى الله فصار الله متكلمًا به نقول كيف يكون الكلام قائمًا بغير ذات الرب، ويكون متصلًا به، الكلام لا بد أن يكون بمتكلم كيف يقولون: إن الكلام مخلوق خارج عن ذات الله فصار الله به متكلمًا لو صح الله أن يوصف الله بكلامه صفات لم تقم به لصح أن يوصف فيما خلقه في غيره من المخلوقات من الصفات من الروائح والألوان والطعوم والطول والقصر لو صح أن يتكلم الله بكلام قام بغيره للزم أن يكون ما خلقه في غيره من الحيوانات، وما أحدثه من الجمادات كلامًا له كما فرض ذلك الاتحادية وهذا باطل.
وكيف يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الله بصفة قامت بغيره لو صح أن يوصف الشخص بصفة قامت بغيره لصح أن يقال للأعمى بصير، ولصح أن يقال للبصير أعمى؛ لأن الأعمى قام وصف البصر بغيره والبصير قام وصف العمى بغيره وهذا باطل لو كان الكلام بدأ من الله بدأ من غيره وقام به متكلمًا لكان قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) } صدقًا وهذا باطل.
ومن شُبَههم يقولون: إن الكلام كلام الله مخلوق لكنه أضيف إلى الله إضافة تشريف وتكريم، كما أن البيت بيت الكعبة أضيف إلى الله للتشريف بيت الله والناقة أضيفت إلى الله ناقة الله تشريف والعبد عبد الله أضيف إلى الله تشريف والروح أضيف إلى تشريف، كذلك الكلام أضيف إلى الله وإن كان مخلوقًا كغيره للتشريف والتكريم هذه من شبههم.
والجواب أن هذه الشبهة باطلة وذلك أن المضاف نوعان: النوع الأول أعيان قائمة بذاتها كالبيت والعبد والرسول والروح قال عبد الله، روح الله عيسى روح الله وكلمته، هذا بيت الله ناقة الله هذه إضافة مخلوق إلى خالقه لأنها أعيان قائمة البيت عين قائم بنفسه، الناقة عين قائمة بنفسها، العبد عين قائم بنفسه الروح عين قائم بنفسها، فإذا أضيفت إلى الله فهي إضافة مخلوقة إلى خالقه، وهذه الإضافة للتشريف والتكريم وتقتضي هذه الإضافة التشريف والتكريم لما امتاز به ذلك المضاف من الصفات.
النوع الثاني إضافة معاني وأوصاف لا تقوم بنفسها كالعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام هل هذه تقوم بنفسها هل الكلام ذات قائم بنفسه هل العلم ذات قائم بنفسه، هذه إضافة صفة إلى موصوف إضافة معاني إلى الموصوف وتقتضي هذه الإضافة اتصاف الموصوف بهذه الصفات وقيامها به وهذا فرق بديهي لا ينكره إلا من أنكر المحسوسات.