فعلى أن عدم الكلام نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فالعجل ما يتكلم، بنو إسرائيل عبدوا العجل قال الله -تعالى- {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ} .
هذا نقص يستدل به على عدم ألوهية العجل، فنفي رجوع القول يدل على عدم ألوهية العجل، وبنو إسرائيل سكتوا ما قالوا: إن الله لا يتكلم فهم في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة، المعتزلة قالوا: إن الله لا يتكلم، والكلام مخلوق، وأما بنو إسرائيل الذين عبدوا العجل ما قالوا: ربك لا يتكلم لما قيل لهم: إن العجل لا يتكلم ما قالوا: وربك لا يتكلم فكانوا في هذه الخصلة أحسن من المعتزلة.
ومن الأدلة على أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد قول الله -تعالى-: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) } وفي الآية الأخرى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ} فقوله "محدث" صريح في حدوث آحاد كلام الله، ولا يفهم من ذلك أن تحل الحوادث في ذات الرب؛ لأن كلام الله لا يماثل كلام المخلوقين، إنما كلام المخلوقين هو الذي يلزم منه الحدوث في ذواتهم، أما كلام الرب فلا يماثل كلام المخلوقين.
ومن الأدلة أيضًا على أن كلام الله آحاده حادثة قول الله -تعالى-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) } الله -تعالى- أخبر عن سماعه لكلام المجادلة بلفظ الماضي "سمع" وهذا يدل على أن المجادلة والجدال الذي حصل كان قبل نزول الآية.
ثم نزلت الآية بعد المجادلة فدل هذا على نزول الآية، وأن الرب تكلم في هذه الآية بعد حصول الحادثة، وهي المجادلة.
فالمرأة التي جاءت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم في زوجها هي خولة بنت حكيم لما ظاهر منها قالت: (أشكو إلى الله صبية إن ضممتهم إليّ ضاعوا أو إليه جاعوا وجعلت تجادل النبي فيقول: "ما أرك إلا حرمت عليه" فجاءت تشتكي إلى الله فقالت: أشكو إلى الله صبية (أولادها الصغار) إن ضممتهم إلي ضاعوا أو إليه جاعوا قالت عائشة -رضي الله عنها- إنه يخفى علي بعض الكلام من المرأة سبحان من وسع سمعه الأصوات) لكن الله سمع كلامها من فوق سبع سماوات وأنزل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} .
فهذا دليل على أن آحاد كلام الله حادثة متى تكلم الله، قد سمع تكلم بعد حصول القصة بعد المجادلة، فهذا دليل على حدوث آحاد كلام الله، وأن كلام الله وإن كان قديم النوع لكن أفراده حادثة، ومثل قول الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) } فالله أخبر عن خروج نبيه صلى الله عليه وسلم أول النهار بلفظ الماضي قد غدوت، وهذا يدل على سبق التبوؤ للخبر يعني أن النبي خرج أول النهار وبوأ المؤمنين مقاعد للقتال ثم أنزل الله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} فالتبوؤ والخروج سابق لنزول الآية، وهذا يدل على أن كلام الله أفراده حادثة.
ومثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ} "ثم" تفيد الترتيب والتراخي، فالخلق والتصوير خلق آدم وتصويره سابق ثم تكلم الله قال للملائكة: اسجدوا لآدم.
والأدلة في هذا كثيرة، والمعتزلة لهم شُبَهٌ في قولهم: إن كلام الله مخلوق وهي موجودة الآن ومنتشرة في فكر تراه، مذهب الأشاعرة والمعتزلة يدرس الآن في بعض البلدان العربية ولهم مؤلفات موجودة حتى كثير من المفسرين الآن غلطوا في هذا فالزمخشري كتابه "الكشاف" مبني على هذا حتى قال البلقيني: "استخرجت من الكشاف اعتزالًا بالمناقيش" بالمنقاش خفي منها أنه قال في قوله عز وجل {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} قال: أي فوز أعظم من الجنة هو قصده بذلك إمكان رؤية الله يوم القيامة الرؤية أعظم نعيم وهو الجنة.
إذا كانت كتب التفسير الآن موجود فيها مذهب المعتزلة فقد يقرأ طالب العلم وينطلي عليه فلا بد لطالب العلم أن يكون على إلمام ببعض الشبه، فمذهب المعتزلة ومذهب الأشاعرة مذهبان منتشران، ومذهب الأشاعرة أكثر ولهم شُبَه، ونحن حينما نستعرض يعني شيئًا من شبههم حتى يكون طالب العلم على شيء من الإلمام بشبههم والرد عليها.
من شبه المعتزلة العقلية أنهم يقولون: إنه يلزم من إثبات الكلام لله التشبيه والتجزيء لو قلنا: إن الله يتكلم والمخلوق يتكلم تشابه الخالق والمخلوق والله ليس كمثله شيء.