للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه النصوص صريحة في أن القرآن منزل، اعترض المعتزلة على هذه النصوص التي فيها أن القرآن منزل قالوا: إن الأخبار عن القرآن أنه منزل لا يمنع أن يكون مخلوقًا؛ لأننا نجد أن بعض المخلوقات أخبر الله عنها بأنها منزلة وهي مخلوقة، وقد اتفقتم معنا يا أهل السنة على أنها مخلوقة، فالله تعالى قال عن الحديد: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فالله أخبر عن الحديد أنه منزل؛ ومع ذلك فهو مخلوق؛ وأنتم توافقوننا على هذا.

وقال تعالى: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أخبر الله عن الأنعام بأنها منزلة وهي مخلوقة وأنتم توافقننا على هذا قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أخبر الله أنه أنزل من السماء ماء، والمطر مخلوق وأنتم توافقننا على هذا، الحديد والأنعام والمطر مخلوقة مع أن الله أخبر أنها منزلة فكذلك القرآن مخلوق، ولو أخبر الله بأنه منزل، فلا يمنع أن يكون مخلوقًا.

أجيب عن هذا الاعتراض أجاب أهل الحق أن هناك فرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر. فإنزال القرآن صريح في الآيات أنه منزل من عند الله لا من غيره منزل من عند الله، تنزيل الكتاب من الله العزيز الحميد من الله {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) } {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} فهو صريح بأنه منزل من عند الله.

أما الحديد فإن إنزاله مطلق ما أخبر الله أن الحديد منزل من عنده قال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} فهو مطلق وذلك أن الحديد إنما يؤخذ من الجبال والجبال عالية على وجه الأرض فإنزال الحديد يؤخذ من أعالي الجبال؛ وكلما كان أخذ الحديد من أعلى الجبل كان حديده أجود فهذا إنزال من الجبال {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} .

والأنعام أخبر الله أنها منزلة {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} وذلك أن الأنعام إنما تخلق بالتوالد والتوالد يستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث فهذا إنزال الماء من أصلاب الذكور إلى أرحام الإناث، ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات على وجه الأرض فهذا إنزال.

{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ} وأما إنزال المطر قال الله: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} هو مقعد بأنه من السماء والسماء العلو من جهة العلو وأنزلنا من السماء ماء طهورًا، وفي الآية الأخرى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤) } والمعصرات السحاب الآية الأخرى {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} والمزن هو السحاب فتبين بهذا الفرق بين إنزال القرآن وإنزال الحديد والأنعام والمطر، وذلك أن إنزال القرآن صريح بأنه منزل من عنده سبحانه بخلاف الحديد والأنعام والمطر.

هذه أمثلة لشبه الأشاعرة حتى يكون طالبي العلم على بصيرة من هذا؛ لأنك لو فتحت "الكشاف" للزمخشري أو غيره تجد هذه التأويلات تجد هذه التأويلات فيكون طالب العلم على بصيرة من أمره إذا عرف بعض الأمثلة يقيس عليها بقية الأمثلة، وهذه موجودة ومُدَوَّنَة في الكتب وفي التفاسير، فطالب العلم حينما يبحث ويقرأ قد ينطلي عليه بعض هذه التأويلات فيكون على بصيرة، ومسألة الكلام من المسائل العظيمة المهمة.

ننتقل إلى شبه الأشاعرة، الأشاعرة وهم طائفة كبيرة يسمون أنفسهم أهل السنة وتأويلاتهم موجودة ومنتشرة في الكتب التي بين أيديكم في كتب الفقه وغيرها في كتب الأصول، أصول الفقه وغيرها، كلها موجودة تأويلات الأشاعرة وقد يسمون أنفسهم أهل السنة، وهم ينافسون أهل السنة في كثير من الأزمان فلا بد للمسلم لطالب العلم على إلمام بحقيقة مذهب الأشاعرة وبيان بعض الشبه التي يركزون عليها حقيقة مذهب الأشاعرة في كلام الله عز وجل والقرآن يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت معنى قائم بنفس الرب عز وجل والله تعالى لا يُسْمَع منه الكلام بل الكلام معنى قائم بنفسه لا يسمع.

وأما الموجود في المصاحف فهذا عبارة عن كلام الله عبر به جبريل أو عبر به محمد ويسمى ما في المصحف كلام الله مجازًا، ولهذا إذا قلت لبعض الأشاعرة عند التسامح يقول الأشاعرة: المصحف فيه كلام الله يقولون المصحف كلام الله، كلام الله في المصحف لكن عند المناظرة وبيان حقيقة المذهب يقولون: لا ليس في المصحف كلام الله لكن نسميه كلام الله مجازًا؛ لأنه تأدى به كلام الله؛ ولأنه دليل على كلام الله؛ أما كلام الله فهو معنى قائم بنفسه ولهذا -والعياذ بالله- بعضهم قد يدوس في المصحف بين قدميه ويقول ليس فيه كلام الله نسأل الله السلامة والعافية.

<<  <   >  >>