وحدد القرآن الكريم مراحل التطور من جهاد الرسول في مكة على النحو التالي: أولًا: أمر الله -سبحانه وتعالى- الرسول بأن يبدأ بعشيرته والمقربين له، وذلك في قوله تعالى:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}(الشعراء: ٢١٤) فالعشيرة بحكم قرابتها للرسول، تكون أكثر استعدادًا في نصرته عند توسيع نطاق دعوته إلى ما عداها من العشائر والقبائل، الثاني: أمر الله -سبحانه وتعالى- النبي بعد ذلك أن يبلغ رسالته لمكة وما حولها في قوله تعالى:{لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا}(الأنعام: من الآية: ٩٢) وتمثل هذه المرحلة انتقال الدعوة من العشيرة إلى قبيلة قريش صاحبة السيادة في مكة، ومعها خلفائها الضاربين خارج مكة نفسها.
ثالثًا: أمر الله -سبحانه وتعالى- الرسول بأن يوضح للناس أن دعوته والتدرج في نشرها لا تعني أنها محدودة بقريش والقبائل العربية وإنما هي دعوة للبشرية كافة، وأن جميع ما جاءت به تلك الدعوة من عقائد ونظم تتضح أهميتها الكبرى في قوله تعالى:{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِين}(يوسف: من الآية: ١٠٤) وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}(سبأ: من الآية: ٢٨) فالدعوة هي دعوة عالمية للناس جميعًا، ولا غرابة في ذلك لأنها آخر الدعوات والرسول -صلى الله عليه وسلم- آخر الرسل، ولذلك كانت دعوة للناس جميعًا، إنما بعثت للناس كافة، كما يبين ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- واستجاب نفر من عشيرة الرسول الأقربين للدعوة الإسلامية، ولكنها كانت استجابة فردية رائدها الإيمان الصادق بما جاء به القرآن الكريم، وليس للعصبية دخل فيها، يعني: هؤلاء النفر الذين آمنوا بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- من عشيرته، لم يؤمنوا بدعوته -صلى الله عليه وسلم- بسبب العصبية وأنه من عشيرتهم، ولكن بسبب اقتناعهم بهذه الدعوة كما وضحها القرآن الكريم.