لقد أفاد الرسول الكريم من عشيرته حين وقف عمه أبو طالب إلى جانبه في تلك الأيام الأولى من الدعوة الإسلامية، ولكن الرسول الكريم لم يشأ في نفس الوقت أن يعتمد اعتمادًا كليًا على عشيرته، أو يحد نفسه بها؛ لأن ذلك لا يتفق ودعوته التي تهدف إلى هدم العصبية القبلية بكافة أنواعها، ثم إن عصبية العشيرة نفسها تصدت للرسول تصديًا أعمى وأخذت تنزل به أشد الأذى، وذلك على نحو ما قام به عم للنبي نفسه اسمه: أبو لهب وزوجته، وقد نزل في هذا المشرك المتعصب قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}(المسد: ١: ٥).
هذا معناه: أن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تقم على العصبية بدليل أن أقرب الناس للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عمه وقف له بالمرصاد وحاربه، ولذلك عندما تنشط هذه الدعوة وتغزو العالم فليس معنى ذلك أنها دعوة للعصبية والقبلية، وإنما هي دعوة للناس جميعًا، والناس عندما يدخلون في هذه الدعوة لا يدخلونها من باب العصبية والقبلية، وإنما من باب ما جاءت به الدعوة من أدلة على أنها الدعوة الصحيحة، التي يجب أن يدخل فيها الناس جميعًا.
واندلعت نار العصبية من العشيرة إلى قبيلة قريشٍ حين نجحت الدعوة الإسلامية في تحدي النظم القبلية، وزاد عدد المعتنقين الأول للإسلام وقاد الملأ -وهم: أرستقراطية قريش من شيوخ العشائر، والبطون- قادوا هذه الحركة ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- قادوا حركة المقاومة للرسول حينما لمسوا خطورة تنظيم أتباعه، على نظامهم القبلي وكيانهم الشخصي القائم على تقاليد هذا النظام.