وأما الرأي الثاني: وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ فيرى أن أحكام القصاص في دار الحرب تسري على المسلم، والذمي كما في دار الإسلام تمامًا بتمام.
وبالنسبة لموضوع الربا، والعقود الفاسدة في دار الحرب؛ فنقول: هل تسرى أحكام الربا في دار الحرب كما تسرى في دار الإسلام؟ اختلف الفقهاء في الإجابة على هذا السؤال إلى رأيين:
الأول: ذهب جمهور الفقهاء، والإمام أبو يوسف من الحنيفة إلى أن أحكام الإسلام المتعلقة بالربا تسرى في دار الحرب -كما تسرى في دار الإسلام- ووجه ذلك: أن حرمة الربا ثابتة في حق العاقدين، أما في حق المسلمين؛ فظاهر، وأما في حق الحربي؛ فلأن الكفار مخاطبون بالحرمات قال تعالى:{وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْه}(النساء: من الآية: ١٦١) ولهذا حرم هذا التعامل مع الذمي، والحربي الذي دخل دارنا بأمان.
الرأي الثاني: وذهب أبو حنيفة، ومحمد إلى أنه إذا دخل مسلم، أو ذمي دار الحرب -بأمان- فعاقد حربيًا عقد الربا، أو غيره من العقود الفاسدة في حكم الإسلام؛ فإن ذلك جائز، ووجه قول الإمام أبي حنيفة أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال، وإتلاف مال الحربي مباح؛ إذ لا عصمة لمال الحربي، هذا وجه جوازه مع الحربي.
أما مع المسلم -من أهل دار الحرب الذي لم يهاجر إلينا- أن أخذ الربا في معنى إتلاف المال، ومال الذي أسلم في دار الحرب، ولم يهاجر إلينا غير مضمون بالإتلاف، يدل عليه أن نفسه غير مضمونة بالقصاص، ولا بالدية، وحرمة المال تابعة لحرمة النفس، ولا شك في هذا أن رأي الجمهور إنما هو الراجح في هذا الأمر، وأن المسلم مطالب بأحكام الإسلام في أي مكان وجد فيه.