أصلح ما ينسب إليه هذا القائل أنه ما يدري ما في ضمن هذا القول وإلا فهذا طعن على الشريعة.
أنبأنا ابن الحصين نا ابن المذهب نا أبو حفص بن شاهين قال: من الصوفية من رأى الاشتغال بالعلم بطالة وقالوا نحن علومنا بلا واسطة.
قال وما كان المتقدمون في التصوف إلا رؤوسا في القرآن والفقه والحديث والتفسير ولكن هؤلاء أحبوا البطالة.
وقال أبو حامد الطوسي: اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دارسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون.
بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم ويخلو نفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب ولا يقرن همه بقراءة قرآن ولا بالتأمل في نفسه ولا يكتب حديثا ولا غيره ولا يزال يقول الله الله الله إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ.
قال المصنف ﵀: قلت، عزيز علي أن يصدر هذا الكلام من فقيه فإنه لا يخفى قبحه: إنه على الحقيقة طي لبساط الشريعة التي حثت على تلاوة القرآن وطلب العلم.
وعلى هذا المذهب فقد رأيت الفضلاء من علماء الأمصار فإنهم ما سلكوا هذه الطريق وإنما تشاغلوا بالعلم أولا.
وعلى ما قد رتب أبو حامد تخلو النفس بوساوسها وخيالاتها ولا يكون عندها من العلم ما يطرد ذلك فيلعب بها إبليس أي ملعب فيريها الوسوسة محادثة.
ومناجاة ولا ننكر أنه إذا طهر القلب انصبت عليه أنوار الهدى فينظر بنور الله إلا أنه ينبغي أن يكون تطهيره بمقتضى العلم لا بما ينافيه فإن الجوع الشديد والسهر وتضييع الزمان في التخيلات أمور ينهي الشرع عنها فلا يستفاد من صاحب الشرع شيء ينسب إلى ما نهى عنه كما لا تستباح الرخص في سفر قد نهى عنه.
ثم لا تنافي بين العلم والرياضة بل العلم يعلم كيفية الرياضة ويعين على تصحيحها.