الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمَّد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
[المقدمة]
في حِسٍ نقدي رائع قال الميموني:"سمعت أحمد بن حنبل يقول: ثلاث كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير"(١).
تلك الكلمات الصادرة من أحد كبار النقاد في علم الحديث وعلله، الإِمام الكبير أحمد بن حنبل تكشف مرحلة متقدمة من النقد لم تعرفها أمة من الأمم، فكل أمم الأرض تبتهج بمزع من تاريخها حتى ولو كانت تلك المزع أكذوبة أو أسطورة، فالفقر المدقع الذي يلف تاريخ الأمم يجعلها تبحث عن أي شيء داخل تلك الظلمة التاريخية، وفي وسط تلك العتمة يقف تاريخ واحد على خشبة مسرح الحياة، وحده يشرب الأضواء وحده يكتنز بالثراء وسط تلك العتمة، تاريخ الإِسلام، تاريخ النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته تحت بؤرة الضوء تلك، وحول تلك الدائرة يبدأ التلاشي لتتسرب العتمة، وكأن نزول القرآن منح تلك الحقبة شيئًا من نوره، وبعد وفاة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ يبدأ التاريخ بالذبول، وتلين الأسانيد كلما ابتعدنا عن دائرة الضوء. وتبقى تلك الدائرة ثابتة ومسافرة عبر التاريخ، لدرجة أننا نعرف عدد الشيب في لحية النبي -عليه السلام- وكل الأطعمة التي تناولها، بينما لا نعرف شيئًا من ذلك عن رئيس أو ملك مات بالأمس، أو ربما لا يزال حيًا، معجز ومذهل هذا القرآن الكريم، كيف منح ذلك النور لتلك الفترة حتى اليوم .. حتى المستقبل.