للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه النقول عن إمام الأئمة رحمه الله تؤكد أنه لجأ إلى تأويل هذا الحديث؛ لتوهمه أن حمله على ظاهره يقتضي التشبيه، فأوله تنزيهًا لله تعالى عن صفات المخلوقين.

وهذه هي الشبهة التي بنى عليها أهل الكلام مذهبهم في أسماء الله تعالى وصفاته.

ولذلك عد أهل العلم هذا التأويل من ابن خزيمة زلَّة لا يجوز أن يتابع عليها، لأن فيه خروجًا عن منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب، وهو: إجراء نصوص الصفات على ظاهرها دون التعرض لتأويلها، وإثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه، وما أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تمثيل ولا تكييف، على حد قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي (١) في كتابه الذي سماه (الفصول في الأصول عن الأئمة الفحول إلزامًا لذوي البدع والفضول) -ذكر فيه الأئمة الاثني عشر المتبوعين في العلم، وهم: الشافعي، ومالك، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وإسحاق بن راهويه، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان (٢) -: فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول، وإن صدر


(١) هو محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي، شيخ الكُرْج وعالمها ومفتيها، إمام ورع مفتٍ محدث أديب، أفنى عمره في طلب العلم ونشره، له تصانيف في المذهب والتفسير، وله قصيدة مشهورة في السنة، نحو مائتي بيت، شرح فيها عقيدة السلف، توفي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة (٥٣٢). [انظر: العبر (٢/ ٤٤١)، وشذرات الذهب (٤/ ١٠٠)].
(٢) أبو حاتم الرازي هو: محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي الغطفاني، الإمام الحافظ الناقد، كان من بحور العلم، طوَّف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنَّف، وجرح وعدَّل، وصحح وعلَّل، وهو من نظراء =

<<  <   >  >>