للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما أتى إلى الحديث الآخر ورأى أن هذا التأويل لا يستقيم معه -لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابتداءً: (خلق الله آدم على صورته) - جعل الضمير فيه عائدًا إلى آدم عليه السلام.

ولما أتى إلى حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: (لا تقبحوا الوجه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن)، ورأى أنه غير قابل للتأويل جعله -على فرض صحته- من باب إضافة الخلق إلى خالقه، كل ذلك فرارًا من التشبيه.

ومما يدل على ذلك قوله -كما تقدم (١) -: "فصورة آدم ستون ذراعًا، التي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن آدم عليه السلام خلق عليها، لا على ما توهم بعض من لم يتحر العلم، فظن أن قوله: (على صورته): صورة الرحمن، صفة من صفات ذاته جل وعلا عن أن يوصف بالموتان والأبشار (٢) قد نزه الله وقدس عن صفات المخلوقين، فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] " (٣).

وقوله أيضًا عن هذه الأحاديث: "تأولها بعض من لم يتحر العلم على غير تأويلها، ففتن عَالَمًا من أهل الجهل والغباوة، حملهم الجهل بمعنى: الخبر على القول بالتشبيه، جل وعلا عن أن يكون وجهُ خلقٍ من خلقه مثل وجهه الذي وصفه الله بالجلال والإكرام ونفى الهلاك عنه" (٤).

وقوله تعليقًا على لفظة: (على صورة الرحمن): "قد افتتن بهذه اللفظة التي في خبر عطاء، عالَم ممن لم يتحر العلم، وتوهموا أن إضافة الصورة إلى الرحمن في هذا الخبر من إضافة صفات الذات فغلطوا في هذا غلطًا بينًا، وقالوا مقالة شنيعة، مضاهية لقول المشبهة، أعاذنا الله وكل المسلمين من قولهم" (٥).


(١) انظر: ص (١٢٠) من هذا البحث.
(٢) في بعض النسخ: "بالذرعان والأشبار". انظر: ص (١٢٠) من هذا البحث.
(٣) التوحيد (١/ ٩٤).
(٤) التوحيد (١/ ٨١).
(٥) التوحيد (١/ ٨٧).

<<  <   >  >>