للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الضمائر كلها عائدة إلى آدم، وهذا منها أيضًا، فلفظ الطول وقدره ليس داخلًا في مسمى الصورة، حتى يقال إذا قيل: (خلق الله آدم على صورته) وجب أن يكون على قدره وطوله" (١).

إذا تبين هذا وهو: وجوب حمل النص على ظاهره، وأن ظاهره لا يقتضي التشبيه، فما معنى كون آدم خلق على صورة الله تعالى؟

الجواب عن هذا أن يقال: الواجب إذا جاءت الآية من كتاب الله تعالى أو صح الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الإيمان والتصديق بهما، واعتقاد ما جاء فيهما، والتسليم والانقياد لهما، ولا يجوز السؤال عن كيفية ما جاء فيهما من الصفات، فإن الله تعالى أخبرنا أنه متصف بالصفات، ولم يخبرنا عن كيفية هذه الصفات، فنَكِلُ علمها إلى الله تعالى، مع اعتقادنا أنها لا تماثل صفات المخلوقين، فالله تعالى كما قال عن نفسه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.

وقد عقد الإمام ابن بطة (٢) بابًا بعنوان: "الإيمان بأن الله عز وجل خلق آدم على صورته بلا كيف".

ثم قال: "كل ما جاء من هذه الأحاديث، وصحت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرض على المسلمين قبولها، والتصديق بها، والتسليم لها، وترك الاعتراض عليها، وواجب على من قبلها وصدَّق بها أن لا يضرب لها المقاييس، ولا يتحمل لها المعاني والتفاسير، ولكن تمر على ما جاءت ولا


(١) بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (٢/ ٥٣٤ - ٥٣٧) باختصار وتصرف يسير.
(٢) هو الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الفقيه الحنبلي شيخ العراق، كان عبدًا صالحًا زاهدًا، سمع من خلائق لا يحصون، وكان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه، توفي رحمه الله سنة (٣٨٧ هـ)، وله مصنف كبير في السنة سماه: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية. [انظر: تاريخ بغداد (١٠/ ٣٧٠)، والسير (١٦/ ٥٢٩)، والعبر (٢/ ١٧١)، وشذرات الذهب (٣/ ١٢٢)].

<<  <   >  >>