للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلام، فإنه لا يكون بين العلة والحكم مناسبة أصلًا، فإن كون آدم مخلوقًا على صورة آدم، فأي تفسير فُسر ليس في ذلك مناسبة للنهي عن ضرب وجوه بنيه ولا عن تقبيحها وتقبيح ما يشبهها، وإنما دخل التلبيس بهذا التأويل حيث فُرِّقَ الحديث فروي قوله: (إذا قاتل أحدكم فليتق الوجه) مفردًا، وروي قوله: (إن الله خلق آدم على صورته) مفردًا، أما مع أداء الحديث على وجهه فإن عود الضمير إلى آدم يمتنع فيه، وذلك أن خلق آدم على صورة آدم سواء كان فيه تشريف لآدم أو كان فيه إخبار مجرد بالواقع، فلا يناسب هذا الحكم.

الوجه الثاني: أن الله خلق سائر أعضاء آدم على صورة آدم، فلا فرق بين الوجه وسائر الأعضاء في هذا الحكم، فلو كان خلق آدم على صورة آدم مانعًا من ضرب الوجه أو تقبيحه، لوجب أن يكون مانعًا من ضرب سائر الأعضاء وتقبيح سائر الصور، وهذا معلوم الفساد في العقل والدين وتعليل الحكم الخاص بالعلة المشتركة من أقبح الكلام، وإضافة ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصدر إلا عن جهل عظيم أو نفاق شديد، إذ لا خلاف في علمه وحكمته، وحسن كلامه وبيانه.

الوجه الثالث: أن هذا تعليل للحكم بما يوجب نفيه، وهذا من أعظم التناقض، وذلك أنهم تأولوا الحديث على أن آدم لم يخلق من نطفة وعلقة ومضغة، وعلى أنه لم يتكون في مدة طويلة بواسطة العناصر، وبنوه قد خلقوا من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة وخلقوا في مدة من عناصر الأرض (١)، فإن كانت العلة المانعة من ضرب الوجه وتقبيحه كونه خلق على ذلك الوجه -وهذه العلة منتفية في بنيه- فينبغي أن يجوز ضرب وجوه بنيه وتقبيحها لانتفاء العلة فيها وهي: أن آدم هو الذي خلق على صورته دونهم، إذ هم لم يخلقوا -كما خلق آدم- على صورهم التي هم عليها، بل نقلوا من نطفة إلى علقة إلى مضغة.


(١) انظر كلام الخطابي: ص (١٢٠ - ١٢١) من هذا البحث.

<<  <   >  >>