للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الرابع: ما أبطل به الإمام أحمد هذا التأويل حيث قال: من قال: إن الله خلق آدم على صورة آدم فهو جهمي، وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه؟ وهذا الوجه الذي ذكره الإمام أحمد يعم الأحاديث، يعم قوله ابتداءً: (إن الله خلق آدم على صورته طوله ستون ذراعًا)، ويعم قوله: (لا تقبحوا الوجه)، (وإذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته)، وذلك أن قوله: (خلق الله آدم على صورته) يقتضي أنه كان له صورة قبل الخلق خلقه عليها، فإن هذه العبارة لا تستعمل إلا في مثل ذلك.

وبمثل هذا أبطلنا قول من يقول: إن الضمير عائد إلى المضروب، فإن المضروب متأخر عن آدم ولا يجوز في مثل هذا الكلام أن تكون الصورة التي خُلِقَ عليها آدمُ متأخرةً عن حين خلقه، سواء كانت هي صورته أو صورة غيره ... فمن المعلوم بالضرورة أنه لم تكن لآدم صورة خلق عليها قبل صورته التي خلقها الله تعالى (١).

الوجه الخامس: أن جميع ما يذكر من التأويل كقول القائل: خلق آدم على صورة آدم، موجود نظيره في جميع المخلوقات، فإنه إن أريد بذلك على صورتها الثابتة في القدر في علم الله وكتابه، أي: على صفتها التي هي عليها أو غير ذلك، فهذا موجود نظيره في سائر المخلوقات من السموات والأرض وما بينهما من الملائكة والجن والبهائم، بل وذرية آدم كذلك فإنهم خلقوا على صورهم، كما يذكرونه في معنى قولهم: خلق الله آدم على صورة آدم، فإن كون آدم على صورته يعني شبحًا موجودًا في صور هذه الأمور.

وأما كونه خلق على هذه الصورة ابتداءً أو في غير مدة، فإنه لم يخلق إلا من حال إلى حال من التراب ثم من الطين ثم من الصلصال، كما خلق


(١) لأن التصوير إنما يكون بعد الخلق لا قبله كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)} [سورة الأعراف، آية: (١١)].

<<  <   >  >>