للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنوه من النطفة ثم العلقة ثم المضغة، فلا منافاة في الحقيقة بين الأمرين، فإذا جاز أن يقال في أحدهما: إنه خلق على صورته مع تنقله في هذه الأطوار، جاز أن يقال في الآخر: إنه خلق على صورته مع تنقله في هذه الأطوار، وإذا كان كذلك -ومن المعلوم بالاتفاق أن قوله: (خلق آدم على صورته) هي من خصائص آدم، وإن كان بنوه تبعًا له في ذلك كما خلقه الله بيديه وأسجد له ملائكته- علم بطلان ما يوجب الاشتراك ويزيل الاختصاص.

الوجه السادس: أن المعنى الذي تدل عليه هذه العبارة التي ذكروها هو من الأمور المعلومة ببديهة العقل التي لا يحسن بيانها والخطاب بها لتعريفها، بل لأمر آخر فإن قول القائل: إن الشيء الفلاني خلق على صورة نفسه، لا يدل لفظه على غير ما هو معلوم بالعقل، لأن كل مخلوق فإنه خلق على الصورة التي خلق عليها، وهذا المعنى مثل أن يقال: أوجد الله الشيء كما أوجده، وخلق الله الأشياء على ما هي عليه وعلى الصورة التي هي عليها، ونحو ذلك مما هو معلوم ببديهة العقل، ومعلوم أن بيان هذا وإيضاحه قبيح جدًا.

الوجه السابع: أن الحديث روي من وجوه بألفاظ تبطل عود الضمير إلى آدم مثل قوله: (لا تقبحوا الوجه فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، وقوله في الطريق الآخر من حديث أبي هريرة: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن صورة الإنسان على صورة الرحمن) " (١).

وأما قول أصحاب هذا التأويل: إن حمل الحديث على ظاهره يقتضي التشبيه! فقد تقدمت الإجابة عنه.

وأما القول الثالث: وهو القول بإعادة الضمير إلى الله تعالى، وجعل إضافة الصورة إلى الله تعالى من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فهو باطل من عدة وجوه أيضًا:


(١) بيان تلبيس الجهمية، القسم السادس (٢/ ٤٥٠ - ٤٥٧) باختصار وتصرف يسير.

<<  <   >  >>