للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله أعظم من أن يستطيع أحد أن ينعت صورته، وهو سبحانه وصف نفسه لعباده بقدر ما تحتمله أفهامهم، ومعلوم أن قدرتهم على معرفة الجنة بالصفات -التي ذكرها الله ورسوله- أيسر، ومع هذا فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، متفق عليه (١). فالخالق أولى أن يكونوا لا يطيقون معرفة صفاته كلها.

الوجه الثالث: أن في حديث أبي سعيد -المتقدم-: (فيرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة)، وهذا نص صحيح صريح في أن الذي يتحول هو الله نفسه، لا أنه تغير في عيون الرائين، كما في هذا التأويل.

وقول الدارمي: "من غير أن يتحول من صورة إلى صورة، ولكن يمثل ذلك في أعينهم" مخالف لهذا النص.

الوجه الرابع: أنه في عدة أحاديث، كحديث أبي سعيد قال: (هل بينكم وبينه علامة؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقه فيسجدون له).

وهذا يبين أنهم لم يعرفوه بالصفة التي وصف لهم في الدنيا، بل بآية وعلامة عرفوها بالموقف.

الوجه الخامس: أن تمثيل الدارمي بقوله: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: ١٥٧] لا يناسب تشبيهه بمجيء جبريل في صورة دحية والبشر، وذلك أن اليهود غلطوا في الذي رأوه، فلم يكن هو المسيح ولكن ألقي شبهه عليه، والذي رأته مريم، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هو جبريل نفسه ولكن في صورة آدمي، فكيف يقاس ما رُئي هو نفسه في صورة على ما لم يُر هو، وإنما ألقى شبهه على غيره.

الوجه السادس: أن هذا المعنى -وهو التمثيل- إذا قصد كان مقيدًا


(١) البخاري (٣/ ١١٨٥) ح (٣٠٧٢)، ومسلم (١٧/ ١٧١) ح (٢٨٢٤).

<<  <   >  >>