للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفعال لما يشاء، كما مثل جبريل عليه السلام مع عظم صورته وجلالة خلقه في عين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صورة دحية الكلبي، وكما مثله لمريم بشرًا سويًا، وهو ملك كريم في صورة الملائكة، وكما شبه في أعين اليهود أن قالوا: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ}، فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: ١٥٧] " (١).

ولا ريب أن هذا تأويل باطل مخالف لظاهر هذه النصوص، ويتضح بطلانه من عدة وجوه:

الوجه الأول: أن في حديث أبي سعيد المتقدم (فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة)، وفي لفظ: (في أدنى صورة من التي رأوه فيها)، وهذا يفسر قوله في حديث أبي هريرة (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون)، ويبين أن تلك المعرفة كانت لرؤية منهم في صورة غير الصورة التي أنكروه فيها.

وما ذهب إليه الدارمي من جعل صورته التي يعرفون، هي التي عرَّفهم صفاتها في الدنيا، فغير صحيح، لأنه أخبر أنها الصورة التي رأوه فيها أول مرة، لا أنهم عرفوها بالنعت في الدنيا، ولفظ الرؤية صريح في ذلك.

الوجه الثاني: أنهم لا يعرفون في الدنيا لله صورة معينة، ولم يروه في الدنيا في صورة، فإن ما وصف الله تعالى به نفسه ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يوجب لهم صورة يعرفونها، وقد قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١].

ولو كانوا أرادوا الصفات المخبر بها في الدنيا لذكروا ذلك، فعلم أنهم لم يطيقوا وصف الصورة التي رأوه فيها أول مرة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في سدرة المنتهى: (فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرَتْ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها)، رواه مسلم (٢).


(١) نقض الإمام أبي سعيد على المريسي الجهمي العنيد (١/ ٣٨٦ - ٣٩١).
(٢) من حديث أنس -رضي الله عنه-، صحيح مسلم (٢/ ٥٦٧) ح (١٦٢).

<<  <   >  >>