للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد حُكي عن أبي عاصم أنه قال: "ذلك تغيّر يقع في عيون الرائين، كنحو ما يتخيل إلى الإنسان الشيء بخلاف ما هو به، فيتوهم الشيء على الحقيقة" (١).

وقال الدارمي في رده على المريسي حين أنكر هذا الحديث واعترض عليه -مدعيًا أنه يتضمن شك المؤمنين في معبودهم؛ لأنهم يقولون: (نعوذ بالله منك)، وذلك إذا أتاهم في صورة غير صورته التي يعرفون-: "ويلك إن هذا ليس بشك وارتياب منهم، ولو أن الله تجلى لهم أول مرة في صورته التي عرفهم صفاتها في الدنيا، لاعترفوا بما عرفوا، ولم ينفروا، ولكنه يري نفسه في أعينهم، لقدرته ولطف ربوبيته في صورة غير ما عرفهم الله صفاتها في الدنيا، ليمتحن بذلك إيمانهم ثانية في الآخرة كما امتحن في الدنيا، ليثبتهم أنهم لا يعترفون بالعبودية في الدنيا والآخرة إلا للمعبود الذي عرفوه في الدنيا بصفاته التي أخبرهم بها في كتابه، واستشعرتها قلوبهم حتى ماتوا على ذلك، فإذا مثل في أعينهم غير ما عرفوا من الصفة نفروا وأنكروا، إيمانًا منهم بصفة ربوبيته التي امتحن قلوبهم في الدنيا، فلما رأى أنهم لا يعرفون إلا التي امتحن الله قلوبهم، تجلى لهم في الصورة التي عرفهم في الدنيا فآمنوا به وصدقوا، وماتوا، ونشروا عليه (٢)، من غير أن يتحول الله من صورة إلى صورة، ولكن يمثل ذلك في أعينهم بقدرته، فليس هذا أيها المريسي بشك منهم في معبودهم، بل هو زيادة يقين وإيمان به مرتين ...

ويلك إن الله لا تتغير صورته ولا تتبدل، ولكن يمثل في أعينهم يومئذ، أولم تقرأ كتاب الله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} [الأنفال: ٤٤]، وهو


(١) إبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى (١/ ١٥٣)، وانظر: بيان تلبيس الجهمية، القسم السابع (١/ ١٩١).
(٢) في النسخة التى اعتمدها المحقق أصلًا: "وبشروا عليه"، وما أثبته أوضح، وهو موجود في بقية النسخ كما ذكر المحقق.

<<  <   >  >>