للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن الهرولة جاءت في الحديث مقيدة، فالله يأتي هرولة لمن أتاه يمشي، ولم تأتِ مطلقة كبقية الصفات المطلقة، ولذا فمن أثبتها صفة لله تعالى ينبغي له تقييدها بما قيدت به في الحديث، فلا يجعلها صفة لله تعالى على وجه الإطلاق.

فإن قيل: تفسير الحديث بهذا المعنى، فيه حجة لأهل التأويل في تأويلهم، وإلزام لنا بموافقتهم، أو مداهنتهم فيما أولوه من صفات الله عزَّ وجلَّ (١).

قيل: هذا الإيراد مبني على اعتقاد أن هذا المعنى: تأويل للحديث وصرف له عن ظاهره، وقد تقدم بيان أن القول بهذا المعنى عمل بظاهر الحديث وليس تأويلًا له.

وقد قال الشيخ محمد العثيمين -رحمه الله تعالى- عن هذا القول: إن له حظًا من النظر (٢)، مع أنه قد انتصر للقول الثاني.

ثم إن أهل السنة في إثبات الصفات لله تعالى وغيرها ينطلقون من دلالة نصوص الكتاب والسنة -ولذلك نلاحظ أن كلًا من أصحاب القولين السابقين ممن هم من أهل السنة يرى أنه قد عمل بظاهر الحديث- لا من مجرد مخالفة أهل التأويل.

وأما ما قيل في معنى: (وإذا أتاني يمشي .. ) أي: في عبادة تفتقر إلى المشي، فبعيد عن ظاهر الحديث، وهل يقال مثل ذلك في رواية: (وإن هرول سعيت إليه) (٣) فيكون المعنى: في عبادة تفتقر إلى الهرولة؟ ! لا ريب أن هذا تكلف ظاهر، والله أعلم.

* * *


(١) انظر: إزالة الستار للعثيمين (٢٨).
(٢) انظر: القواعد المثلى (٧٢)، وإزالة الستار (٣١).
(٣) تقدم تخريجه ص (١٨١).

<<  <   >  >>