للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق" (١).

ومثله -أيضًا- قوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث أبي هريرة: (ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا فليعذ به)، متفق عليه (٢).

إذ ليس المراد به ذات القعود وذات القيام، وإنما المراد به: التنبيه على عظم وخطر الدخول فيها، والحض على تجنبها، والإمساك عن التشبث بشيء منها، وأن بلاءها بقدر مبلغ الإنسان منها، ودخوله فيها، ولهذا حض النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهروب عنها (٣).

والقول: بهذا المعنى للهرولة، ليس هروبًا من إثباتها صفةً لله تعالى؛ لأنها توهم معنى فاسدًا -كما هو منهج نفاة الصفات-، وإنما لأن سياق الحديث وظاهره يدل عليه، ولو لم يرد في السياق ما يدل عليه لتعين إثباتها صفة لله تعالى على ما يليق بجلاله، ولذلك فقد أجمع أهل السنة والجماعة على إثبات صفة المجيء والإتيان له سبحانه على ما يليق بجلاله، لدلالة النصوص الصحيحة عليهما (٤)، والهرولة من جنسهما، ولكن لأنه لم يدل دليل صريح على إثباتها صفة لله تعالى فإنه لا يتوجه إثباتها صفة له، والله أعلم.


= [انظر: البداية والنهاية (١٣/ ٣٦٦)، والأعلام (٤/ ٨٩)، ومعجم المؤلفين (٢/ ٢٤٣)].
(١) فتح الباري (١٣/ ٦ - ٧) بتصرف يسير.
(٢) البخاري في مواضع: (٣/ ١٣١٨) ح (٣٤٠٦)، و (٦/ ٢٥٩٤) ح (٦٦٧٠، ٦٦٧١)، ومسلم (١٨/ ٢٢٤) ح (٢٨٨٦).
(٣) انظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (٨/ ٤١٨)، وفتح الباري (١٣/ ٣٠).
(٤) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني (١٩٢)، ومجموع الفتاوى (٥/ ٥٧٧ - ٥٧٨).

<<  <   >  >>