للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها، فقال: (مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال .. )، و (مه) كلمة زجر (١).

وقال أيضًا: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)؛ لأن الديمومة على العمل تستدعي ديمومة الثواب.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "المراد بهذا الحديث: الاقتصاد في العمل، والأخذ بما يتمكن صاحبه من المداومة عليه" (٢).

لكن لا يوصف الله تعالى بهذه الصفة على وجه الإطلاق، وإنما يوصف بها بالقيد المذكور في الحديث، فهو لا يمل إلا إذا ملوا، كما أنه لا يخدع إلا المخادعين، ولا يمكر إلا بالماكرين، ولا يستهزئ إلا بالمستهزئين، ولا يسخر إلا بالساخرين، فهذه الصفات لا يجوز أن يوصف الله تعالى بها على وجه الإطلاق.

قال ابن تيمية رحمهُ الله: "وهكذا وَصَفَ نفسَه بالمكر والكيد، كما وصف عبده بذلك، فقال: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال: ٣٠]، وقال: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)} [الطارق: ١٥، ١٦]، وليس المكر كالمكر، ولا الكيد كالكيد" (٣).

وقال ابن القيم: "إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقًا ... فلا يقال: إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد" (٤).

وقال ابن عثيمين: "المكر والكيد والمحال من صفات الله الفعلية، التي لا يوصف بها على سبيل الإطلاق، لأنها تكون مدحًا في حال، وذمًا في حال، فيوصف بها حين تكون مدحًا، ولا يوصف بها إذا لم تكن مدحًا ... والاستهزاء من هذا الباب، فلا يصح أن نخبر عن الله بأنه


(١) انظر: فتح الباري لابن رجب (١/ ١٦٤)، وفتح الباري لابن حجر (١/ ١٠٢).
(٢) فتح الباري (١/ ١٦٥).
(٣) التدمرية (٢٦)، وانظر: مجموع الفتاوى (٧/ ١١١).
(٤) مختصر الصواعق (٢/ ٢٩١).

<<  <   >  >>