وقد كانت بداية التصوف عبارة عن الزهد في الدنيا والتنسك والعبادة وتفريغ القلب من الاشتغال بغير ذكر الله، ثم انحرف مفهوم التصوف شيئًا فشيئًا حتى انتهى إلى القول بعقائد باطلة كالحلول والاتحاد وترك الواجبات وفعل المحرمات وغير ذلك [انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (٢٢٣)، وما بعدها، ومجموع الفتاوى (١١/ ٥)، وما بعدها]. (٢) الحلول والاتحاد يجمع بينهما: اعتقاد أن الرب هو العبد حقيقة، وهو أقسام: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من جعل الرب هو العبد حقيقة؛ فإما أن يقول بحلوله فيه؛ أو اتحاده به، وعلى التقديرين فإما أن يجعل ذلك مختصًا ببعض الخلق كالمسيح أو يجعله عامًا لجميع الخلق. فهذه أربعة أقسام: الأول: هو الحلول الخاص وهو قول النسطورية من النصارى ونحوهم ممن يقول: إن اللاهوت حل في الناسوت وتدرع به كحلول الماء في الإناء وهؤلاء حققوا كفر النصارى؛ بسبب مخالطتهم للمسلمين، وكان أولهم في زمن المأمون؛ وهذا قول من وافق هؤلاء النصارى من غالية هذه الأمة كغالية الرافضة الذين يقولون: إنه حل بعلي بن أبي طالب وأئمة أهل بيته، وغالية النساك الذين يقولون بالحلول في الأولياء ومن يعتقدون فيه الولاية أو في بعضهم: كالحلاج ويونس والحاكم ونحو هؤلاء. والثاني: هو الاتحاد الخاص وهو قول يعقوبية النصارى وهم أخبث قولًا، وهم السودان والقبط يقولون: إن اللاهوت والناسوت اختلطا وامتزجا كاختلاط اللبن بالماء، وهو قول من وافق هؤلاء من غالية المنتسبين إلى الإسلام. والثالث: هو الحلول العام وهو القول الذي ذكره أئمة أهل السنة والحديث عن طائفة من الجهمية المتقدمين، وهو قول غالب متعبدة الجهمية؛ الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان؛ ويتمسكون بمتشابه من القرآن كقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَاوَاتِ وَفىِ الْأَرْضِ} وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ}، والرد على هؤلاء كثير مشهور في كلام أئمة السنة وأهل المعرفة وعلماء الحديث. =