للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(مرضت فلم تعدني)، (استطعمتك فلم تطعمني)، (استسقيتك فلم تسقني)، فأضاف المرض والاستطعام والاستسقاء إلى نفسه تعالى، مع أنه يريد مرض عبده واستطعامه واستسقاءه، قالوا: فهذا دليل على أن الرب هو العبد، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

ولا شك أن احتجاجهم هذا باطل، وهو يدل على انحراف في الفطرة، وفساد في العقل، وقصور في الفهم، لأن النص قد قرن به تفسيره، وبَيَّنَ المتكلم فيه مراده.

وقد أوضح أهل العلم معنى هذا الحديث، وأزالوا عنه ما قد يتوهم فيه من الإشكال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا تدبرت النصوص وجدتها قد بيَّنت المراد، وأزالت الشبهة ... فنفس ألفاظ الحديث، نصوص في أن الله نفسه لا يمرض، وإنما الذي مرض عبده المؤمن" (١).


= الرابع: الاتحاد العام وهو قول هؤلاء الملاحدة الذين يزعمون أنه عين وجود الكائنات وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى من وجهين:
من جهة أن أولئك قالوا: إن الرب يتحد بعبده الذي قربه واصطفاه بعد أن لم يكونا متحدين وهؤلاء يقولون: ما زال الرب هو العبد وغيره من المخلوقات ليس هو غيره.
والثاني: من جهة أن أولئك خصوا ذلك بمن عظموه كالمسيح وهؤلاء جعلوا ذلك ساريًا في الكلاب والخنازير والأقذار والأوساخ، وإذا كان الله تعالى قد قال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآية. فكيف بمن قال: إن الله هو الكفار والمنافقون والصبيان والمجانين والأنجاس والأنتان وكل شيء؟ وإذا كان الله قد رد قول اليهود والنصارى لمَّا قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}، وقال لهم: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} الآية، فكيف بمن يزعم أن اليهود والنصارى هم أعيان وجود الرب الخالق ليسوا غيره ولا سواه؟ " [مجموع الفتاوى (٢/ ١٧١ - ١٧٣)، وانظر: الفرق بين الفرق للبغدادي (٢٢٨)].
(١) درء التعارض (٥/ ٢٣٥).

<<  <   >  >>