للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجزم بأحد الطرفين، لعدم العلم بالعاقبة، تقدم بيان أنه غير لازم من معناه، إذ قد يكون التردد لكون الشيء المعين مرادًا من وجه، ومكروهًا من وجه آخر، وهذا هو حقيقة تردده سبحانه -كما تقدم- فهو يريد الموت لكونه قضى به على الخلق كلهم، ويكرهه لكراهة عبده له، مع أنه سبحانه قد قطع بأحد الأمرين، وهو الموت، وهو سبحانه يعلم عاقبة كل منهما، فهو يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

ومع بطلان هذا المسلك من أساسه، فإن ما ذكر فيه من تأويلات، بعيدة جدًا عن ظاهر الحديث، وقد تتبع بعضها الشوكاني رحمهُ اللهُ في كتابه (قطر الولي) وبيَّن بطلانها:

١ - أما التأويل الأول -وهو ما ذهب إليه الخطابي وغيره- وهو حمل التردد على معنى كون العبد يمرض حتى يشرف على الهلاك، فيدعو الله تعالى فيشفيه.

فقد قال عنه الشوكاني: "ما أبرد هذا التأويل وأسمجه وأقل فائدته، فإن صدور الشفاء من الله عزَّ وجلَّ لذلك الذي أصابه الداء فشفاه منه، ليس من التردد في شيء، بل هو أمر واحد وجزم لا تردد فيه قط.

وكذلك إنزال المرض به جزم لا تردد فيه، فهما قضاء بعد قضاء، وقدر بعد قدر، وإن كانا باعتبار شخص واحد، فهما مختلفان متغايران لم يتحدا ذاتًا ولا وقتًا ولا زمانًا، ولا صفةً، بل قضى الله على عبده بالمرض ثم شفاه منه.

فأي مدخل للتردد، أو لما يشابه التردد، أو لما يصح أن يُؤول به التردد في مثل هذا" (١).

٢ - وأما التأويل الثاني للخطابي -أيضًا- وهو حمل التردد على ترديد الملائكة في قبض روح المؤمن، كما حصل في قصة موسى وملك الموت عليه السَّلام.


(١) قطر الولي (٤٨٩).

<<  <   >  >>