للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال الشوكاني عنه: "جعل التردد الذي معناه: التوقف عن الجزم بأحد الطرفين بمعنى: الترديد الذي هو الرد مرةً بعد مرةً، وهما مختلفان مفهومًا وصدقًا، فحاصله: إخراج التردد عن معناه اللغوي إلى معنى لا يلاقيه ولا يلابسه بوجه من الوجوه، فليس هذا من التأويل في شيء" (١).

٣ - وأما التأويل الثالث -وهو ما احتمله ابن الجوزي وغيره- وهو حمل التردد على معنى: أن يكون للمؤمن تركيب معين، يحتمل عمرًا معينًا -كخمسين سنةً مثلًا- هو أنقص من عمره وأجله المكتوب له -كأن يكون سبعين سنةً مثلًا- فإذا بلغ قدر هذا التركيب ومرض، دعا الله تعالى بالعافية، فشفاه وبلغه أجله المكتوب له.

فقد قال الشوكاني عنه: "هذا التأويل لم يأتِ بفائدة قط، فإن العمر الذي هو السبعون لا بد أن يبلغه العبد على اعتقاد هذا القائل، سواء كان التركيب محتملًا لذلك أم لا، وسواء مرض عند انتهاء عمره إلى خمسين أولم يمرض، وسواء دعا الله بالعافية أولم يدعُ، فإنه لا بد أن يبلغ السبعين، وغاية ما هناك أن الله رحمه ولطف به، فشفاه من مرضه الذي عرض له وهو في خمسين سنةً، فأي شيء هذا وما الجامع بينه وبين التردد المذكور في الحديث" (٢).

٤ - وأما ما ذهب إليه الشوكاني من أن معنى التردد: انتظار ما يأتي به العبد، مما يقتضي تأخير أجله، من دعاءٍ أو صدقة أو صلة رحم، فإن أتى به فَسَح له في عمره، وأخر له في أجله، وإلا مات بأجله الأول.

فإنه غير وجيه لأن التردد الوارد في الحديث ليس فيه ما يشعر بالانتظار، بل فيه عزم وجزم بإرادة الموت للعبد، ولذلك قال: (ما ترددت في شيء أنا فاعله).


(١) قطر الولي (٤٩٠).
(٢) قطر الولي (٤٩٢).

<<  <   >  >>