للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القول الثاني: وهو رواية حديث: (وأنا الدهر) بنصب الدهر على الظرفية، لأن رواية الرفع يلزم منها أن يكون الدهر اسمًا من أسماء الله تعالى، فيرده أن الحديث جاء بلفظ: (فإن الله هو الدهر)، وهذا يوافق رواية الرفع في قوله: (وأنا الدهر).

ثم إن رواية الرفع لا يلزم منها أن يكون الدهر اسمًا لله تعالى، وقد تقدم توجيه الحديث وبيان معناه.

قال القرطبي مبيِّنًا خطأ هذا القول، الذي قال به أبو بكر الظاهري: "الذي حمله على ذلك خوف أن يقال: إن الدهر من أسماء الله تعالى، وهذا عدول عما صح إلى ما لم يصح مخافة ما لا يصح، فإن الرواية الصحيحة عند أهل التحقيق بالضم، ولم يَروِ الفتح من يعتمد عليه، ولا يلزم من ثبوت الضم أن يكون الدهر من أسماء الله تعالى، لأن أسماء الله تعالى لا بد من التوقيف عليها، أو استعمالها استعمال الأسماء من الكثرة والتكرار، فيُخبر به، وينادى به، كما اتفق في سائر أسماء الله تعالى، كالغفور والشكور والعليم والحليم، وغير ذلك من أسمائه، فإنك تجدها في الشريعة وفي لسان أهلها، تارةً يخبر بها، وأخرى يخبر عنها، وأخرى يدعى وينادى بها، ولم يوجد للدهر شيء من ذلك، فلا يكون اسمًا من أسمائه تعالى" (١).

وأما القول الثالث: وهو القول: بأن الدهر اسم من أسماء الله تعالى، فقول بعيد جدًا، وإلا لكان قول الذين قالوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} صوابًا، لأنهم يكونون حينئذٍ قد نسبوا ذلك إلى الله سبحانه، ولكن لما كان الأمر ليس كذلك، عابهم الله وذمهم فقال: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}. فهذه الآية تدل دلالةً واضحة على خطأ من سمى الله تعالى بهذا الاسم.


(١) المفهم (٥/ ٥٤٨)، وانظر: فتح الباري (٨/ ٥٧٥).

<<  <   >  >>