للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: إخباره عليه الصلاة والسلام بأن الله قد غفر له، والكافر لا يغفر له.

وهذا الحديث أيضًا يدل على أصلين عظيمين، بمعرفتهما يزول الإشكال، وهما:

الأصل الأول: العذر بالجهل، فمن جهل صفة من صفات الله تعالى، ومثله يمكن أن يجهلها، فأنكرها أو شك فيها، فإنه لا يحكم بكفره لمجرد ذلك حتى تقام عليه الحجة.

قال الشافعي: "لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه أمته، لا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحجة ردها، لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القول بها، فيما روى عنه العدول، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالروية والقلب، ولا نكفر بالجهل بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها" (١).

وقال ابن قتيبة: "وقد يغلط في صفات الله تعالى قوم من المسلمين، ولا يحكم عليهم بالنار، بل ترجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم" (٢).

وقال ابن عبد البر: "وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، وجماعة من الصحابة، سألوا رسول الله -صلي الله عليه وسلم- عن القدر، ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم


(١) اجتماع الجيوش الإسلامية (١٦٥)، وانظر: فتح الباري (١٣/ ٤٠٧)، وأورد أوله، الذهبي في العلو (١٦٦)، وذكره بتمامه الألباني في مختصر العلو (١٧٧).
(٢) تأويل مختلف الحديث (١١٢).

<<  <   >  >>