للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية: "فآدم -عليه السلام- إنما حج موسى لأن موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لهم من المصيبة، بسبب أكله من الشجرة، لم يكن لومه له لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧]، وقال تعالى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: ١٢٢]، وموسى -ومن هو دون موسى- -عليه السلام- يعلم أنه بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، وآدم أعلم بالله من أن يحتج بالقدر على الذنب، وموسى -عليه السلام- أعلم بالله تعالى من أن يقبل هذه الحجة، فإن هذه لو كانت حجة على الذنب لكانت حجة لإبليس عدو آدم، وحجة لفرعون عدو موسى، وحجة لكل كافر وفاجر، وبطل أمر الله ونهيه، بل إنما كان القدر حجة لآدم على موسى لأنه لام غيره لأجل المصيبة التي حصلت له بفعل ذلك، وتلك المصيبة كانت مكتوبة عليه، وقد قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: ١١] " (١).

وقال ابن رجب: "لما التقى آدم وموسى -عليهم السلام-، عاتب موسى آدم على إخراجه نفسه وذريته من الجنة، فاحتج آدم بالقدر السابق، والاحتجاج بالقدر على المصائب حسن، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل) (٢) " (٣).

القول الثاني: أن موسى -عليه السلام- لام آدم -عليه السلام- على المعصية لكونها سبب المصيبة، لا لكونها معصية، فاحتج آدم بالقدر على المعصية لكونه قد تاب


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ١٠٨)، وانظر: (٨/ ١٧٨، ٣١٩)، ودرء التعارض (٨/ ٤١٩)، واقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٨٥٧ - ٨٥٨)، والتدمرية (٢٣٠ - ٢٣١)، ومنهاج السنة (٣/ ٧٨، ٨٠ - ٨١)، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (٩٨ - ٩٩).
(٢) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (١٦/ ٤٥٥) ح (٢٦٦٤).
(٣) لطائف المعارف (٦٢).

<<  <   >  >>