للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها، والاحتجاج بالقدر على المعصية بعد وقوعها والتوبة منها وترك معاودتها لا محذور فيه.

وهذا القول جواب آخر لابن القيم على هذا الحديث، وكذا الشيخ ابن عثيمين (١)، وبه قال ابن الوزير وعزاه لأهل السنة (٢).

قال ابن القيم: "وقد يتوجه جواب آخر، وهو أن الاحتجاج بالقدر على الذنب ينفع في موضع ويضر في موضع، فينفع إذا احتُج به بعد وقوعه والتوبة منه وترك معاودته، كما فعل آدم، فيكون في ذكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الرب وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذاكر والسامع، لأنه لا يدفع بالقدر أمرًا ولا نهيًا، ولا يبطل به شريعة، بل يخبر بالحق المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوة، يوضحه أن آدم قال لموسى: (أتلومني على أن عملت عملًا كان مكتوبًا علي قبل أن أخلق؟ ) فإذا أذنب الرجل ذنبًا ثم تاب منه توبة وزال أمره حتى كأن لم يكن، فأنَّبه مؤنب عليه ولامه، حسن منه أن يحتج بالقدر بعد ذلك، ويقول: هذا أمر كان قد قدر علي قبل أن أخلق، فإنه لم يدفع بالقدر حقًا، ولا ذكره حجة على باطل، ولا محذور في الاحتجاج به.

وأما الموضع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل، بأن يرتكب فعلًا محرمًا أو يترك واجبًا فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيُبطل بالاحتجاج به حقًا ويرتكب باطلًا، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: ١٤٨]، {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: ٢٠]، فاحتجوا به مصوِّبين لما هم عليه، وأنهم لم يندموا على فعله، ولم يعزموا على تركه، ولم يقروا بفساده، فهذا ضد احتجاج من تبيَّن له خطأ نفسه وندم وعزم كل العزم على أن لا يعود، فإذا لامه لائم بعد ذلك قال: كان ما كان بقدر الله.


(١) انظر: تقريب التدمرية (١٠٢ - ١٠٣)، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (٢/ ١٠٧).
(٢) انظر: الروض الباسم (٢/ ٤٦٥).

<<  <   >  >>