للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونكتة المسألة: أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعًا فالاحتجاج بالقدر باطل" (١).

القول الثالث: أن ذلك مخصوص بآدم -عليه السلام-، وكانت له الحجة لأن موسى -عليه السلام- لامه على المعصية والخطيئة بعد أن تاب منها، فحسن من آدم -عليه السلام- أن يحتج بالقدر على فعل المعصية، لأنه قد تيب عليه منها، كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧]، وإلى هذا القول ذهب ابن عبد البر وغيره (٢).

قال -رحمه الله-: "وأما قوله: (أفتلومني على أمر قد قدر علي؟ )، فهذا -عندي- مخصوص به آدم، لأن ذلك إنما كان منه ومن موسى -عليه السلام- بعد أن تيب على آدم، وبعد أن تلقى من ربه كلمات تاب بها عليه، فحسن منه أن يقول ذلك لموسى، لأنه قد كان تيب عليه من ذلك الذنب، وهذا غير جائز أن يقوله اليوم أحد إذا أتى ما نهاه الله عنه، ويحتج بمثل هذا، فيقول: أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت، وذلك قد سبق في علم الله وقدره علي قبل أن أخلق؟ هذا ما لا يسوغ لأحد أن يقوله" (٣).

والفرق بين هذا القول والذي قبله، أن هذا القول يجعل لوم موسى لآدم -عليه السلام-، على المعصية لذات المعصية، بينما القول السابق يجعل لوم موسى لآدم -عليه السلام-، على المعصية من أجل أنها سبب المصيبة، لا من أجل كونها معصية (٤).

القول الرابع: أن الحجة توجهت لآدم لأن موسى -عليه السلام- لامه في غير


(١) شفاء العليل (١/ ٥٦ - ٥٧)، وانظر: تقريب التدمرية (١٠٢ - ١٠٣).
(٢) انظر: المفهم للقرطبي (٦/ ٦٦٨)، وشرح النووي على مسلم (١٦/ ٤٤١ - ٤٤٢)، ومجموع الفتاوى (٨/ ٣٠٥)، ودرء التعارض (٨/ ٤١٨)، وشفاء العليل (١/ ٤٩)، والبداية والنهاية (١/ ٧٨)، وفتح الباري (١١/ ٥١٠).
(٣) التمهيد (١٨/ ١٥).
(٤) انظر: شفاء العليل (١/ ٤٩).

<<  <   >  >>