للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولا يصح في النصوص والعقول إلا ما ذكرناه من التفصيل، وبه يتبين أن الحق مع الوسط بين الفِرَق في جميع المسائل، لا يُستثنى من ذلك شيء، فما اختلفت الفِرَق إلا كان الحق مع الوسط، وكلٌّ من الطائفتين معه حق وباطل، فأصاب الجبرية في نفي المعاوضة، وأخطأوا في نفي السببية، وأصاب القدرية في إثبات السببية، وأخطأوا في إثبات المعاوضة، فإذا ضممت أحد نفيَي الجبرية إلى أحد إثباتَي القدرية، ونفيت باطلهما كنت أسعد بالحق منهما" (١).

وقال المقريزي: "وتأمل قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)} [الزخرف: ٧٢]، مع قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يدخل أحدٌ منكم الجنة بعمله) تجد الآية تدل على أن الجنان بالأعمال، والحديث ينفي دخول الجنة بالأعمال، ولا تنافي بينهما، لأن توارد النفي والإثبات ليس على محل واحد، فالمنفي باء الثمنية، واستحقاق الجنة بمجرد الأعمال، ردًا على القدرية المجوسية، التي زعمت أن التفضل بالثواب ابتداءً متضمن لتكدير المنة.

والباء المثبتة التي وردت في القرآن هي باء السببية، ردًا على القدرية الجبرية، الذين يقولون: لا ارتباط بين الأعمال وجزائها، ولا هي أسباب لها، وإنما غايتها أن تكون أَمَارة.

والسنة النبوية: هي أن عموم مشيئة الله وقدرته لا تنافي ربط الأسباب بالمسببات، وارتباطها بها.

وكل طائفة من أهل الباطل تركت نوعًا من الحق، فإنها ارتكبت لأجله نوعًا من الباطل، بل أنواعًا، فهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه" (٢).


(١) مفتاح دار السعادة (٢/ ٥١٥).
(٢) تجريد التوحيد (١٠٨ - ١٠٩).

<<  <   >  >>