للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونلاحظ أن كل واحد من الفريقين -القدرية والجبرية- قد تمسك بنوع من النصوص، وأغفل النوع الآخر، والحق الذي لا مرية فيه، هو القول: بمدلول النصوص كلها، وعدم طرح شيء منها، لأنها كلها حق وصدق -والحق لا يتعارض بل يصدق بعضه بعضًا- فيحمل كل نوع من النصوص على وجه لا يخالف النوع الآخر، وهو ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، كما تقدم.

قال ابن تيمية: "وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس:

فريق آمنوا بالقدر، وظنوا أن ذلك كافٍ في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة، وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه.

وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر متكلين على حولهم وقوتهم وعملهم، وكما يطلبه المماليك، وهؤلاء جهال ضلال فإن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا به، ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم، وهو سبحانه كما قال: (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني) (١)، فالملِكُ إذا أمر مملوكيه بأمر، أمرهم لحاجته إليهم، وهم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم، فيطالبون بجزاء ذلك، والله تعالى غني عن العالمين، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساؤوا فلها، لهم ما كسبوا وعليهم ما اكتسبوا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)} [فصلت: ٤٦] " (٢).

وقال ابن القيم ردًا على الجبرية والقدرية، بعد بيانه للقول الراجح في هذه المسألة:


(١) أخرجه مسلم (١٦/ ٣٦٨) ح (٢٥٧٧).
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ٧٣).

<<  <   >  >>