للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)}، ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدخل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها، برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال، أي: بسببها، وهي من الرحمة، والله أعلم" (١).

وأما الموقف الثاني، وهو ما ذهبت إليه القدرية من أن الجنة عوض عن العمل وثمن له، فهو باطل ظاهر البطلان، والأحاديث المتقدمة في نفي دخول الجنة بمجرد الأعمال ترد عليهم. وقد بيَّن الله تعالى في عدة آيات من كتابه أن الأنبياء وهم الأنبياء إنما يدخلون الجنة برحمة الله، فإذا كان الأنبياء كذلك فكيف بغيرهم (٢).

قال الله تعالى حكاية عن آدم وحواء عليهم السلام: {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٢٣].

وقال عز وجل حكاية عن نوح: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧].

وحكى عن إبراهيم قوله: {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: ٧٧].

وأما الموقف الثالث، وهو ما ذهبت إليه الجبرية، حيث أنكرت كون الأعمال سببًا في دخول الجنة، فهو باطل أيضًا، والآيات الدالة على أن دخول الجنة يكون بالأعمال ترد عليهم، وإذا كان "من عذبه الله من المشركين، فقد عذبه بعمله، فكذلك من أثابه الله من الموحدين، فقد أثابه وأدخله الجنة بعمله" (٣).


(١) شرح النووي على مسلم (١٧/ ١٦٦).
(٢) انظر: العواصم والقواصم (٧/ ٢٩٥ - ٢٩٦).
(٣) العواصم (٧/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>