للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة)، متفق عليه.

قال ابن الوزير: "اعلم أن أهل السنة لا ينكرون أن الجنة تُدَخلُ بعمل كما ورد في القرآن، وإنما ينكرون ما ليس في القرآن من كونها تُستَحقُ على الله بالعمل استحقاق المبيعات بأثمانها، بحيث إنه لا فضل للبائع على المشتري.

فمرجع النزاع في أن الباء في قوله تعالى: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، هل هي باء المعاوضة للشيء بمقدار ثمنه، مثل الثوب بالدرهم، أو هي باء السببية، كقولك: أكرمني الملِكُ بسابق معرفة، أو بكلمة طيبة سمعها مني، أو نحو ذلك؟

والقرآن إنما نص على العمل، لا على أن الباء فيه للثمن المساوي، ولو قال أهل السنة: بعدم العمل، لجوَّزوا الجنة للمشركين فاعرف هذه النكتة" (١).

وأما الأقوال الأخرى في الجمع فإنها عند التأمل نجد أنها تؤول إلى هذا القول، كما أن هذا القول لا يخالف ما جاء في بقية الأقوال بل يوافقها، فالأقوال كلها لا تخالف في كون الأعمال أسبابًا موصلة إلى رضوان الله والجنة، وأن تفاوت العباد في المنازل والدرجات في الجنة يكون بحسب الأعمال، كما أن التوفيق للأعمال الصالحة والهداية لها، ومن ثَم دخول الجنة، والتفاوت في منازلها، كل ذلك برحمة الله تعالى وفضله، وأن مجرد الأعمال -بقطع النظر عن رحمة الله تعالى- لا توجب دخول الجنة، إذ ليست الجنة عوضًا عن الأعمال وثمن لها.

وإليك كلام النووي، حيث اشتمل على مجمل هذه الأقوال، قال رحمه الله تعالى: "أما قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، {وَتِلْكَ


(١) العواصم والقواصم (٧/ ٢٩٩).

<<  <   >  >>