للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الأعمال الصالحة أسباب موصلة إلى ثواب الله تعالى وجنته، لكن ذلك لا يتحقق إلا بتوفر الشروط -والتي من أعظمها رحمة الله- وانتفاء الموانع.

قال ابن تيمية: "مجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من ريح مُرْبِيَةٍ بإذن الله ولا بد من صرف الانتفاء عنه، فلا بد من تمام الشروط وزوال الموانع وكل ذلك بقضاء الله وقدره ... وكذلك أمر الآخرة، ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هو سبب ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) " (١).

وقال المقريزي: "الأعمال أسباب موصلة إلى الثواب، والأعمال الصالحات من توفيق الله وفضله، وليست قدْرًا لجزائه وثوابه، بل غايتها إذا وقعت على أكمل الوجوه: أن تكون شكرًا على أحد الأجزاء القليلة من نعمه سبحانه، فلو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته لهم خيرًا من أعمالهم" (٢).

وأما ما قيل في الجمع بين حديث: (لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة) وما في معناه، وآية: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} وما في معناها، فأحسنها القول الأول، وهو: أن المنفي في الحديث كون الأعمال بمجردها توجب دخول الجنة، وأما المثبت في الآية فهو كون الأعمال سبب في دخول الجنة، والفرق بين الأمرين ظاهر، وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بينهما في قوله: (سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه)،


(١) مجموع الفتاوى (٨/ ٧٠) بتصرف يسير.
(٢) تجريد التوحيد (١٠٨).

<<  <   >  >>