للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحياء الموتى فقد كفر، وهذا الحديث حجة لنا، ونفي للشك عن إبراهيم، أي: لو كان هذا الكلام من إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- شكًا، لكان من لم يشاهد القدرة ما شاهد إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أحق بالشك، فإذا كان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم غير شاك، فإبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أبعد من الشك.

قال أبو محمد (١): ومن نسب ها هنا إلى الخليل -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الشك، فقد نسب إليه الكفر، ومن كفَّر نبيًا فقد كفر، وأيضًا فإن كان ذلك شكًا من إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وكنا نحن أحق بالشك منه، فنحن إذًا شكاك جاحدون كفار، وهذا كلام نعلم والحمد لله بطلانه من أنفسنا، بل نحن ولله الحمد مؤمنون مصدقون بالله تعالى، وقدرته على كل شيء يَسأل عنه السائل" (٢).

وأما الآية وهي قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: ٢٦٠]، فليس فيها ما يدل على شك إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ويظهر هذا من وجهين:

الأول: أن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مؤمن مصدق بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى، يدل على ذلك أنه قال في محاجته للنمرود: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة: ٢٥٨]، وعندما سأل ربه أن يريه كيف يحيى الموتى، قال الله له: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} فقوله: {بَلَى} يزيل كل لَبْس، وينفي كل توهم في نسبة الشك إلى إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

و"الاستفهام هنا: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)} [الشرح: ١]، يعني: قد شرحنا لك، فمعنى {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ}: ألست قد آمنت، لتقرير إيمان إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ-" (٣).


(١) يعني نفسه -رَحِمَهُ الله-.
(٢) الفصل (٢/ ٢٩٢ - ٢٩٣).
(٣) تفسير القرآن الكريم للعثيمين (٣/ ٢٩٩ - ٣٠٠)، وانظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٥٤٣).

<<  <   >  >>