للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل سدوم، فقال: لو أن لي منعةً وأقاربَ وعشيرة، لكنت أستنصر بهم عليكم، ليدفعوا عن ضيفاني" (١).

قال البغوي: "قال ابن عباس وأهل التفسير: أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار، وهو يناظر قومه ويناشدهم من وراء الباب، وهم يعالجون تسوّر الجدار، فلما رأت الملائكة ما يلقى لوط بسببهم، قالوا: يا لوط إن ركنك لشديد، {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فدخلوا، فاستأذن ربه -عَزَّ وَجَلَّ- في عقوبتهم، فأذن له" (٢).

* * *

وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد)، فقد اختُلف في معناه على عدة أقوال، هي كالتالي:

القول الأول: أن المعنى، أي: رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى.

وإلى هذا ذهب ابن قتيبة والبغوي (٣) والقاضي عياض (٤) وابن الأثير (٥) وأبو عبد الله القرطبي (٦)، وهو ظاهر كلام الطحاوي (٧) وجوَّزه النووي (٨)


(١) فتح الباري (٦/ ٤١٥).
(٢) معالم التنزيل (٢/ ٣٩٦)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (٩/ ٧٨).
(٣) انظر: شرح السنة (١/ ١١٧).
(٤) انظر: إكمال المعلم (١/ ٤٦٦).
(٥) هو العلامة البارع القاضي مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي، كان فقيهًا محدثًا أديبًا نحويًا ورعًا عاقلًا، ذا برٍّ وإحسان، توفي -رَحِمَهُ الله- سنة (٦٠٦ هـ)، وله مصنفات بديعة منها جامع الأصول في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والنهاية في غريب الحديث. [انظر: وفيات الأعيان (٤/ ٧)، والسير (٢١/ ٤٨٨)، وشذرات الذهب (٥/ ٢٢)].
(٦) نظر: الجامع لأحكام القرآن (٩/ ٧٨).
(٧) انظر: شرح مشكل الآثار (١/ ١٨٥ - ١٨٧).
(٨) انظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٥٤٣).

<<  <   >  >>