للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه: (ألم تر إلى قول قوم شعيب: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود: ٩١] " (١) والثروة: الكثرة والمنعه (٢).

القول الثاني: ما ذهب إليه ابن حزم من أنه لا تثريب على لوط في قوله هذا، ولم يقصد النبي -صلى الله عليه وسلم- لومه عليه، وإنما أراد الإخبار بأن لوطًا كان في نصر من الله بالملائكة، لكنه لم يكن يعلم ذلك.

قال -رَحِمَهُ الله-: "إن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه -مما هم عليه من الفواحش- من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة وأشد ركن، فلا جناح على لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في طلب قوة من الناس، فقد قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، فهذا هو الذي طلب لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.

وقد طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكِر على لوط أمرًا هو فعله -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؟ تالله ما أنكر ذلك رسول الله، وإنما أخبر -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أن لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد، يعني: من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- علم بذلك، ومن ظن أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- اعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضًا ظن سخيف، إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات -وهو دائبًا يدعو إليه- هذا الظن" (٣).

القول الثالث: ما ذهب إليه ابن الجوزي من أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يغفل عن الله تعالى، ولم يترك التوكل عليه، لكن لما كان ظاهر كلامه قد يفهم منه نسيانه لله تعالى، أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- منا ألَّا نقول ما يوهم ذلك.


(١) فتح الباري (٦/ ٤١٦).
(٢) انظر: سنن الترمذي (تحفة ٨/ ٥٤٢)، وجامع البيان (٧/ ٨٦)، وشرح مشكل الآثار (تحفة ١/ ١٨٧)، والنهاية في غريب الحديث (١/ ٢١٠).
(٣) الفصل (٢/ ٢٩٤).

<<  <   >  >>