للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال -رَحِمَهُ الله-: "أما قصة لوط، فإن لوطًا لم يغفل عن الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولم يترك التوكل عليه، وإنما ذكر السبب، وذكره للسبب وحده يتخايل منه السامع نسيانه لله، فأراد منه نبينا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ألَّا نقول ما يوهم هذا" (١).

القول الرابع: ما ذهب إليه الأُبيِّ (٢) وهو: أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قصد من قوله هذا إظهار العذر لأضيافه، وتطييب نفوسهم، ولم يكن قط معرضًا عن الله تعالى، والاعتماد عليه، وأما قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (رحم الله لوطًا ... ) فإنما أراد منه المدح والثناء.

قال -رَحِمَهُ الله-: "لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم ينسَ اللجأ إلى الله تعالى في القضية، وإنما قال ذلك تطييبًا لنفوس الأضياف، وإبداء العذر لهم، بحسب ما ألف في العادة من أن الدفع إنما يكون بقوة أو عشيرة، وهذا في الحقيقة محمدة وكرم أخلاق، يستحق صاحبه الحمد، فقوله عليه الصلاة والسلام: (يرحم الله لوطًا) ثناءٌ لا نقد، وهو جارٍ على عرف العرب في خطابها" (٣).

واستدل -رَحِمَهُ الله- بسياق الحديث، حيث إن القصد منه بيان فضل هؤلاء الأنبياء -عَلَيْهِم السَّلَامُ-، وسيأتي نقل كلامه قريبًا إن شاء الله تعالى.

هذه هي أهم الأقوال في معنى الحديث، وحاصلها:

- الاتفاق على أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عنى بقوله: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}: عشيرته وقومه.


(١) كشف المشكل (٣/ ٣٥٨ - ٣٨٩)، وانظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (٥٢٦).
(٢) هو محمد بن خِلْفَة بن عمر الأُبي المالكي، من أهل تونس، نسبته إلى (أُبَّة) من قراها، كان عالمًا محققًا، له شرح على صحيح مسلم سماه: إكمال إكمال المعلم، جمع فيه بين شرح المازري وعياض والقرطبي والنووي مع زيادات عليها، توفي -رَحِمَهُ الله- سنة سبع وعشرين وثمانمائة (٨٢٧). [انظر: البدر الطالع (٢/ ١٦٩)، والأعلام (٦/ ١١٥)، ومعجم المؤلفين (٣/ ٢٧٨)].
(٣) إكمال إكمال المعلم (١/ ٤٣٦)، وانظر: شرح النووي على مسلم (٢/ ٥٤٣).

<<  <   >  >>