- وأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنى بقوله:(ويرحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد): الله تعالى، فهو أقوى الأركان وأشدها.
- أنه لا خلاف في أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد، كيف وهو يركن ويأوي إليه في كل وقت وحين، ولذا قال ابن حزم رحمه الله تعالى -كما تقدم-: "ومن ظن أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- اعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر".
وإنما موطن الخلاف في الآية هو: تلك اللحظة الحرجة التي تعرض لها لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، هل نسي فيها ربه عندما قال -مشيرًا إلى عشيرته وقبيلته -: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أم لا؟ وعلى هذا ينبني معنى الحديث.
فحرف المسألة في الحديث: هل قال ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- لائمًا للوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وسائلًا الله له الرحمة والتجاوز عن هذا الخطأ، أم قاله منافحًا عنه، ومخبرًا عن حاله، أنه كان يأوي إلى الله تعالى ويعتمد عليه، حتى لا يتوهم متوهم أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله تعالى؟
أكثر أهل العلم -كما ترى- قالوا: بالأول، والثاني أليق بمقام النبوة، وعليه يدل السياق، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك في سياق الثناء والمدح لهؤلاء الأنبياء -عَلَيْهمُ السَّلَامُ-، ونفي ما قد يُتوهم في حقهم من الباطل.
قال الأُبيِّ: "السياق إنما يدل على أن المقصود: إظهار كمال هؤلاء السادة، ورزانة عقولهم، فمعنى قوله:(لقد كان يأوي إلى ركن شديد): أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كان مطمئن القلب بالاستناد إلى الله تعالى، غير ملتفت عنه أصلًا، وإنما قال ما قال بلسانه إظهارًا للعذر عند أضيافه، وقد وكد النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبوت لجأ لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إلى الله تعالى باللام المؤذنة بالقسم، وبقد المؤذنة بالتحقيق، وعبر بالمضارع وهو:(يأوي) للتنبيه على استقرار ذلك منه، وعدم مفارقته إياه.
فالكلام مسوق لدفع توهم إيواء لوط عليه الصلاة والسلام لغير الله تعالى، كما أن قوله قبله:(نحن أحق بالشك من إبراهيم) مسوق لتنزيه