للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساحة إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَامُ- من الشكوك، وأن ما صدر منه من سؤاله تعالى فالمقصود به شيء آخر" (١).

وأما قول لوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} أي: من قبيلة وعشيرة تمنعكم مما تريدون، فإنما هو ذكرٌ للأسباب المحسوسة المشهودة المباشرة (٢)، وأهميتها في دفع الأذى عنه وعن أضيافه -وهو يعلم أنها لا تكون إلا من الله تعالى- ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما بعث الله من بعده من نبي إلا في ثروة من قومه)، ولا يلزم من هذا أنه قد نسي ربه، أو ترك الاعتماد عليه في هذا الموقف، فإن الأنبياء أكمل الناس إيمانًا وأعظمهم توكلًا على الله تعالى.

وقد قال عليه الصلاة والسلام يوم حنين لما اشتد عليه المشركون، وأدبر عنه من كان حوله، حتى بقي وحده، قال مناديًا: (يا معشر الأنصار)، قالوا: لبيك يا رسول الله، أبشر نحن معك (٣)، فهل يصح أن يُقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما ذكر أصحابه واستعان بهم، وناداهم، ولم ينادِ ربه، كان ذلك لأنه نسي ربه في هذا الموقف الحرج؟ قطعًا لا، وحاشاه من ذلك، بل كان ذاكرًا ربه في كل وقت وحين، يستعين به، ويتوكل عليه، ويثق بنصره، وأما نداؤه لأصحابه واستعانته بهم فلأنهم سبب من الأسباب، ليس غير.

كما لا يلزم من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للوط -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بالرحمة أن يكون قد أخطأ ونسي الله تعالى، كما قد يُتوهم، لأن ذلك قد يجري على سبيل المدح وبيان الفضل، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- لما استُغضب: (يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)، متفق عليه (٤).


(١) إكمال إكمال المعلم (١/ ٤٣٧).
(٢) انظر: الفصل (٢/ ٢٩٤)، وتيسير الكريم الرحمن (٣/ ٤٤٥).
(٣) متفق عليه من حديث أنس -رضي الله عنه-: البخاري: (٤/ ١٥٧٦) ح (٤٠٨٢)، ومسلم (٧/ ١٥٩) خ (١٠٥٩).
(٤) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: البخاري (٣/ ١٢٤٩) ح (٣٢٢٤)، ومسلم (٧/ ١٦٣) ح (١٠٦٢).

<<  <   >  >>