للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- جارٍ على عادته في دفع توهم النقص عن الأنبياء -عَلَيْهم السَّلَام-، خاصةً إذا صدر منهم ما يوهم ذلك، ومن أمثلة ذلك:

قوله هنا -في هذا الحديث- عن إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-: (نحن أحق بالشك من إبراهيم).

وقوله عن يونس -عَلَيْهِ السَّلَام- لما حصل منه ما حصل مما ذكره الله تعالى في كتابه (١) -: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)، متفق عليه (٢).

ومما يدل على أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يكن ملومًا في تمنيه وجود العشيرة، أن الله تعالى لم يعاتبه على ذلك، مع أن من شأنه تعالى أنه لا يُقِر نبيًا على خطأ (٣).

قال ابن تيمية عن أهل السنة: "هم متفقون على أنهم لا يُقَرُّون على خطأ في الدين أصلًا، ولا على فسوق ولا على كذب، ففي الجملة كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله، فهم متفقون على تنزيههم عنه، وعامة الجمهور الذين يُجوزون عليهم الصغائر، يقولون: إنهم معصومون من الإقرار عليها، فلا يصدر عنهم ما يضرهم" (٤).

وقال أيضًا: "إن الله لم يذكر في كتابه عن نبي من الأنبياء ذنبًا إلا ذكر توبته منه، كما ذكر في قصة آدم وموسى وداود، وغيرهم من الأنبياء" (٥).

وأما ما استدل به أصحاب القول الأول من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (رحمة الله على لوط، إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ


(١) انظر: معالم السنن للخطابي (٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧).
(٢) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: البخاري: (٢/ ٨٥٠) ح (٢٢٨١)، ومسلم (١٥/ ١٤٠) ح (٢٣٧٤).
(٣) انظر: الشفاء للقاضي عياض (٣٤٧).
(٤) منهاج السنة (١/ ٤٧٢)، وانظر: مجموع الفتاوى (١٥/ ١٨٠، ١٩٤)، ومنة المنعم (٤/ ٦٣)، وفتاوى اللجنة الدائمة (٣/ ٢٦٤).
(٥) مجموع الفتاوى (١٥/ ١٤٨)، وانظر: (١٥/ ١٥٠).

<<  <   >  >>