للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} وما بعث الله من بعده من نبي إلا في ثروة من قومه)، فليس فيه ما يدل على أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَام- قد نسي ربه وسها عنه في هذا الموقف، بل غاية ما فيه أن لوطًا -عَلَيْهِ السَّلَام- تمنى أن لو كان ذا كثرة ومنعة من قوم أو عشيرة، حتى يستعين بهم في حماية أضيافه، وهذا لا إشكال فيه كما تقدم.

قال الطحاوي -رَحِمَهُ الله- -معلقًا على هذا الحديث-: "فدل ذلك أن قول لوط هذا، كان لأنه لم يكن في ثروة من قومه، يكونون له ركنًا يأوي إليهم" (١).

* * *

معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي):

أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا: الثناء على يوسف -عَلَيْهِ السَّلَام-، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذِنًا له بالخروج، لم يبادر إلى الخروج -كما هو مقتضى الطبيعة- مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: ٥٠]، قال ذلك: حتى تظهر براءته وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له الحجة، لا خروج من قد عفي عنه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- -تواضعًا منه وأدبًا-: (لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي) أي: لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة.

فقوله: (الداعي) أي: داعي الخروج من السجن.

هذا هو معنى الحديث عند أهل العلم، كابن قتيبة والطحاوي والخطابي (٢) والبغوي وابن عطية (٣)، والمازري (٤) والقاضي عياض (٥) وابن


(١) شرح مشكل الآثار (تحفة ١/ ١٨٧).
(٢) انظر: أعلام الحديث (٣/ ١٥٤٦ - ١٥٤٧).
(٣) انظر: المحرر الوجيز (٩/ ٣١٦ - ٣١٨).
(٤) انظر: المعلم (١/ ٢١٣).
(٥) انظر: إكمال المعلم (١/ ٤٦٥).

<<  <   >  >>