للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠)} [الأعراف: ٢٠]، وقال تعالى عن نبيه أيوب: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)} [ص: ٤١].

وهكذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، إنما تسلط الشيطان -كما في حديث السحر- على جسده لا غير.

قال الشنقيطي عند آية أيوب -عليه السلام- المتقدمة: "وهذا لا يُنافي أن الشيطان لا سلطان له على مثل أيوب، لأن التسليط على الأهل والمال والجسد، من جنس الأسباب التي تنشأ عنها الأعراض البشرية، كالمرض، وذلك يقع للأنبياء، فإنهم يصيبهم المرض، وموت الأهل، وهلاك المال لأسباب متنوعة، ولا مانع أن يكون من جملة تلك الأسباب تسليط الشيطان على ذلك، للابتلاء" (١).

وقال ابن القيم عن الشيطان: "ويكفي من شره أنه أقسم بالله ليقعدن لبني آدم صراطه المستقيم، وأقسم ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولقد بلغ شره أن أعمل المكيدة، وبالغ في الحيلة، حتى أخرج آدم من الجنة ... وتصدى للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وظاهر الكفار على قتله بجهده، والله تعالى يكبته ويرده خاسئًا، وتفلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- بشهاب من نار، يريد أن يرميه به وهو في الصلاة، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ألعنك بلعنة الله) (٢)، وأعان اليهود على سحرهم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كان هذا شأنه وهمته في الشر، فكيف الخلاص منه إلا بمعونة الله وتأييده وإعاذته" (٣).


(١) أضواء البيان (٤/ ٧٤٥)، وانظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (١٦٠ - ١٦٠)، وبهذا يُعلم وهم القاضي عياض -رحمه الله تعالى- في ادعائه الإجماع على عصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى في جسمه من الأذى، وخاطره من الوساوس، وذهب لأجل هذا يُؤَوِّل النصوص الواردة في ذلك. [انظر: الشفاء (٣٢٦)، وإكمال المعلم (١/ ٥٠٥ - ٥٠٦)].
(٢) أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- (٥/ ٣٢) ح (٥٤٢).
(٣) بدائع الفوائد (٢/ ٣٩٠ - ٣٩١)، وانظر: تأويل مختلف الحديث (١٦٩).

<<  <   >  >>