للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتوفي -صلى الله عليه وسلم-، ولحق بالرفيق الأعلى، وتخلص من دار الامتحان والبلوى، وهذه كلها سِمات البشر التي لا محيص لهم عنها، وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم من ذلك، فقُتِلوا قتلًا، ورموا في النار، ونُشروا بالمناشير، ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات" (١).

٦ - وأما قولهم: إن السحر من عمل الشياطين، وهم لا يتسلطون إلا على من غفل عن الله تعالى، فكيف يتسلطون على رسول -صلى الله عليه وسلم-، وهو أعظم الأمة إيمانًا، وذكرًا لله تعالى؟ فالجواب عنه: أن الأنبياء معصومون من إغواء الشيطان وإضلاله بلا ريب، فهم أول الأمة دخولًا في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} [الحجر: ٤٢]، فالشيطان لا يتسلط على قلوبهم بالإضلال والإغواء، وإيقاعهم بما يمنعهم من عفو الله تعالى (٢)، فهذا هو المراد بالآية كما يدل عليه سياقها، فإن الله تعالى قال: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)} [الحجر: ٣٩ - ٤٣]، فالشيطان توعد العباد بالإغواء، واستثنى من ذلك المُخلَصين، فأخبر الله تعالى أنه ليس له عليهم سلطان بذلك، ويدل على ذلك أيضًا: أن الله تعالى وصف أتباع الشيطان الذين تسلط عليهم بالغاوين، وتوعدهم جهنم فقال: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣)} [الحجر: ٤٣].

هذا هو المراد بتسلط الشيطان المذكور في الآية، وليس المراد أنهم معصومون من تسلط الشيطان عليهم في أبدانهم وأهليهم وأموالهم، وإلقاء الوساوس عليهم، إذ أنهم معرَّضون لذلك بحكم بشريتهم، كما حصل لآدم وحواء عليهم السلام، حيث تسبب الشيطان بوساوسه في إخراجهما من الجنة، كما


(١) الشفاء (٣٧٦).
(٢) انظر: معالم التنزيل (٣/ ٥١)، والجامع لأحكام القرآن (١٠/ ٢٨ - ٢٩)، وتيسير الكريم الرحمن (٤/ ١٦٦).

<<  <   >  >>