للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: "غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، وظاهر جوارحه، لا على عقله وقلبه، ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يُخيَّل إليه من إتيان النساء، بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض، والله أعلم" (١).

وقال المازري: "وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثانية، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، ولعله يتخيل إليه جبريل عليه السلام، وليس ثَمَّ ما يراه، أو أنه أوحي إليه وما أوحي إليه، وهذا الذي قالوه باطل، وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله سبحانه، وعلى عصمته فيه، والمعجزة شاهدة بصدقه، وتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل.

وما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان رسولًا مفضَّلًا من أجلها، هو في كثير منه عرضة لما يعترض البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له" (٢).

وقال القاضي عياض عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يجوز عليه من الآفات والتغيرات والآلام والأسقام، وتجرع كأس الحِمام، ما يجوز على البشر، وهذا كله ليس بنقيصة فيه، لأن الشيء إنما يسمى ناقصًا بالإضافة إلى ما هو أتم منه، وأكمل من نوعه، وقد كتب الله تعالى على أهل هذه الدار: {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [الأعراف: ٢٥]، وخلق جميع البشر بمَدرجةِ الغِيَرَة، فقد مرض عليه السلام واشتكى، وأصابه الحر والقر، وأدركه الجوع والعطش، ولحقه الغضب والضجر، وناله الإعياء والتعب، ومسه الضعف والكِبَر، وسقط فجُحش شقه، وشجه الكفار، وكسروا رباعيته، وسُقي السم، وسُحر، وتداوى عليه السلام، واحتجم، وتنشَّر وتعوَّذ، ثم قضى نحبه


(١) زاد المعاد (٤/ ١٢٦)، وانظر: فتح الباري (١٠/ ٢٢٧)، والأنوار الكاشفة (٢٤٩)، وأضواء البيان (٤/ ٥١٠)، والسحر بين الحقيقة والخيال (١٤٥ - ١٥٢).
(٢) المعلم (٣/ ٩٣).

<<  <   >  >>