للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القرطبي أنه قول الأكثرين (١).

قال القرطبي: "وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال: إن الذين قالوا: لم تكن الشياطين تُرمى بالنجوم قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم رميت، أي: لم تكن ترمى رميًا يقطعها عن السمع، ولكنها كانت ترمى وقتًا ولا ترمى وقتًا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، ولعل الإشارة بقوله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (٨) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (٩)} [الصافات: ٨، ٩] إلى هذا المعنى، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يُرْمَون واصبًا" (٢) أي: دائمًا (٣).

وقال ابن تيمية: "وقد تواترت الأخبار بأنه حين المبعث كثر الرمي بالشهب، وهذا أمر خارق للعادة، حتى خاف بعض الناس أن يكون ذلك لخراب العالم، حتى نظروا هل الرمي بالكواكب التي في الفلك، أم الرمي بالشهب؟ فلما رأوا أنه بالشهب، علموا أنه لأمر حدث، وأرسلت الجن تطلب سبب ذلك، حتى سمعت القرآن، فعلموا أنه كان لأجل ذلك، وهذا من أعلام النبوة ودلائلها، وقبل زمان البعث وبعده كان الرمي خفيفًا، لم تمتلئ به السماء كما ملئت حين نزول القرآن" (٤).

وقال ابن كثير في تفسير سورة الجن: "يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له: أن السماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك، لئلا يسترقوا شيئًا من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط، ولا يدرى من الصادق،


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٢)، و (١٩/ ١٣)، وفتح القدير (٣/ ١٢٦).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (١٥/ ٦٦)، وانظر: (١٩/ ١٣).
(٣) انظر: جامع البيان (١٠/ ٤٧٣)، وشرح مشكل الآثار (٨/ ٥٨٨)، ومعالم التنزيل (٤/ ٢٣)، وتفسير القرآن العظيم (٤/ ٦).
(٤) الجواب الصحيح (٥/ ٣٥٣ - ٣٥٥)، وانظر: (٦/ ٥٧ - ٦٧)، ومنهاج السنة (٧/ ٦٧).

<<  <   >  >>