للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩)} [لجن: ٨، ٩] أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم، يجد له شهابًا مرصدًا له، لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه ... وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثير، بل في الأحيان بعد الأحيان" (١)، ثم استشهد بحديث ابن عباس المتقدم.

واستدل هؤلاء بما يلي:

١ - حديث ابن عباس -المتقدم- قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأنصار، أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ) قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا -تبارك وتعالى اسمه- إذا قضى أمرًا، سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضًا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فتخطف الجن السمع، فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون).

قالوا: إن قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ )، يدل على أن الشهب كان يُرمى بها في الجاهلية، قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- (٢).


(١) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٦٧٢).
(٢) انظر: شرح مشكل الآثار (تحفة ٨/ ٥٨٧)، والمحرر الوجيز (١٠/ ١١٧)، و (١٦/ ١٣٦)، والجامع لأحكام القرآن (١٩/ ١٣).

<<  <   >  >>